نُحيي في يوم اللاجئ العالمي شجاعة ودأب الملايين من اللاجئين. فمن تجربة عملنا في العراق في مخيمات اللاجئين، رأينا التأثير الإيجابي لدعم الثقافة في مناطق النزاعات والأزمات، سواء على المستوى المحلي أو العالمي. هذا الأسبوع، التقينا سينمائيَّين كرديين- عراقيين، تركَّز عملهما على لاجئي العراق وأزمة النازحين داخلياً، وفي هذا اللقاء حدثانا عن مشاريعهما وعن رؤيتهما لدور الثقافة في فترة النزاعات:

Project by Hemn Hamed encouraging individuals from different Iraqi cities and faiths to communicate through a makeshift audio device to promote unity and peace. Courtesy of the artist.

هيمن حامد سينمائي مقيم في أربيل. خلال الحرب لتحرير غرب الموصل، قاد حامد وحدة متخصصة في توزيع الطعام بمدينة الموصل. وكان في كل صباح يكتب رسائل ووصية لزوجته وأبنائه. وهذه الرسائل أصبحت الآن الأرضية لعمل فني جديد، يصفه هنا لـ “رؤيا”:

هيمن حامد: كل صباح، كنت أترك بيتي الساعة الخامسة صباحاً للذهاب بالسيارة مع فريقي إلى الموصل، لكي نستطيع توزيع رزمات الطعام على أولئك الهاربين من المدينة أو علِقوا في بيوتهم بسبب القتال. لم أكن أعرف أبدا كيف يمضي اليوم، وما إذا كنت سأتمكن من تكراره. بين الساعة الرابعة والخامسة، كنت أجلس في المطبخ وأكتب رسالة إلى زوجتي وأطفالي.

كنت أتسلم كل يوم خريطة عسكرية عن المواقع التي سنغطيها مع التعليمات. كانت الخريطة من أربيل إلى الموصل مقسومة إلى مناطق تحت سيطرة أطراف مسلحة مختلفة. وكانت نقاط توزيع الطعام الخاصة بنا مؤشَّرة باللون الأخضر، والجبهات الأمامية باللون الأحمر. كنتُ أرى فقط الناس العاديين وهم يعانون نتيجة لهذه التقسيمات.
في رسائلي، كنت أصف الرحلات اليومية لزوجتي وأطفالي. في أحد الأيام، ذهبنا إلى زينجالي، التي تم تحريرها. كتبتُ حول نقاط تفتيش مختلفة عبرناها، وحول الميليشيات التي تسيطر عليها. أخبرتهم عن العوائل التي التقيتها. كانت بعضها قد وصلت مباشرة من مناطق تحت سيطرة داعش. كان الناس يأتون كل يوم لتسلم الطعام، ولا أدري كيف كانوا يتمكنون من الوصول إلينا، أو كيف كانوا يعرفون أننا كنا هناك. نحن كنا ننتظر فقط وهم ظلوا مستمرين في قدومهم إلينا.

كنتُ وفريقي نعمل في مكان غير عادي، فمعظم أفراد فريقي كانوا يجدون صعوبة في تذكر ما شاهدوه على الطريق. قررتُ أن أكتب كل شيء كي لا أنسى. في رسائلي، كنت أكتب ذكرياتي عن اليوم السابق. وكنت أكتب عن الماضي لأن المستقبل غير مضمون. نحن لم يُسمح لنا أن نلتقط صورا، لذلك أصبحت الكتابة هي كاميرتي. كنت أريد أن أرى ما حدث للموصل بعينيّ، لا من خلال تقارير وشهادات الآخرين.

وقد أصبحت الحدود ما بين عملي الإنساني وفني مغبَّشة. أنا كتبت رسائل حقيقية لزوجتي وأطفالي، أصف فيها تلك التجارب الحقيقية. مع ذلك، فقد شعرت بأني تحت قوة قسرية تجبرني على التسجيل والإعلام كفنان. من بين الأشياء كان هناك شجرة صغيرة، أخذتها إلى بيتي وأعدت زراعتها. وقد ظلت تنمو حتى الآن وأنا آمل بالعودة إلى الموصل يوما ما.
أما بالنسبة للتركيبة، فسأعرض 30 رسالة شخصية مع خرائط.

Filmmaker Parwar Tariq shooting the short film Statue Dance (2013) dir. Tariq Akrayi.

بروار طارق سينمائي مقيم حاليا في باريس، وهو يقيم منذ عام 2014 في باريس، حيث عمل مع سينمائيين أجانب ومحليين على أفلام وثائقية تدور حول اللاجئيين في العراق. وكان مساعد مخرج لكرزام قادر في فيلمه “بيكاس” (2013) حول أخوين عراقيين يتيمين. وفي باريس، يعمل طارق على سيناريو لفيلم روائي حول الصراع الذي دار مع حركة داعش مؤخرا، حيث يُحكى من منظور امرأة إيزيدية.

بروار طارق: نحن بحاجة إلى أفلام أكثر عن حياة اللاجئين وطالبي اللجوء في أوروبا. فرحلاتهم من بلدان تمزقها الحروب وعبر البحر الأبيض المتوسط قد تم سردها. مع ذلك، فليس معروفا إلا القليل عن المصاعب التي يواجهونها في مواطن إقامتهم الجديدة. فالكثير منهم يعانون من الكآبة والصدمات النفسية ومشاكل العثور على عمل وتعلم لغة جديدة والاندماج. فحتى لو أنهم في أجمل وأريح البلدان في العالم، فإنهم يشعرون بكونهم مواطنين من الدرجة الثانية. في فرنسا، التقيتُ بلاجئين مهندسين مؤهلين وفنانين حرَفيين اضطروا إلى التخلي عن ممارستهم لاختصاصاتهم لأن تركيزهم كان على بناء حياة جديدة هنا.

السينما أداة مهمة للتعليم وتطوير الثقافة. مع ذلك فإن صناعة السينما أصبحت تجارية أكثر مما ينبغي. فالسيناريو الذي كتبتُه لفيلم روائي حول الحرب التي وقعت مؤخراً، تستند إلى لقاءاتي مع عمال إغاثة وأطباء ونازحين داخلياً باعتباري سينمائيا من العراق، إضافة إلى لقائي بعدد من النساء الايزيديات في العراق وأوروبا. وقد قدمتُ السيناريو إلى منتجين في باريس. غير أن همهم الأساسي كان متمثلا في أن القصة محزنة أكثر مما ينبغي وفي ما إذا كانت صالحة تجارياً.

في رأيي، كانت النساء أكبر الضحايا بيد داعش. مع ذلك لم يُنتَج أي فيلم روائي عما حدث للنساء الإيزيديات والمسيحيات تحت احتلال داعش. هناك تقارير ووثائق، لكن في الغالب من النادر الحصول عليها، فتوزيعها ضئيل. والأكثر من هذا، بإمكان فيلم روائي أن يعيد صياغة مشاهد تمكّن المشاهدين من التعاطف المريع مع الضحايا.