لسلام عطا صبري سلسلة عنوانها “رسائل من بغداد”، في الفترة من 2005 إلى 2015. هذه السلسلة كانت مصدر إلهام لمشروع تعاوني مستمر مع الفنان البلجيكي روني ديلريو. على مدار سنتين تقريبا، تبادل سلام عطا صبري من بغداد وروني ديلريو من جينت رسائل بصرية تصوّر حياتهما اليومية كل في مدينته. وهذا التعاون في ما بينهما يقدِّم صورة عميقة لعالمي فنانين متماثلين في العمر، والنوع، والتجربة المهنية، لكنهما يعيشان في عالمين منفصلين في بلجيكا والعراق. روني ديلريو فنان بلجيكي ذو شهرة عالمية، غالبا ما تسائل أعماله فينومينولوجيا الرسم نفسه. وهو محاضر في مدرسة لوكا للفنون بجينت، كما أنه حاصل على الدكتوراه من جامعة ليوفن. أما سلام عطا صبري فدرس الخزف في جامعة بغداد وجامعة ولاية كاليفورنيا وهو محاضر في معهد الفنون الشعبية في بغداد. بعد أن قضى في الأردن ستة عشر عاما، رجع إلى بغداد في عام 2005 وعمل مديرا للمتحف الوطني للفن الحديث في بغداد في الفترة من 2010 إلى 2015.

حول هذا التعاون تحدث الفنان إلى رؤية.

سلام عطا صبري

حينما زرت روني قبل قرابة سنتين في بلجيكا، اقترح عليّ أن نجهز لمعرض في عام 2018. فضحكت على الفور، لأننا في بغداد لا نستطيع أن نخطط للدقائق الخمس التالية. واندهش روني. وسألني “ألا تحتفظ بتقويم؟“

كانت بعض أعمالي قد اختيرت لمعرض جماعي أقيم بعنوان “Drawing: The Bottom Line” (2015) في متحف الفن المعاصر بجينت. وعرَّفني مدير المتحف فيليب فان كوتيرين بروني الذي دعاني للعمل في الاستديو الخاص به. وفي اليوم الأول لاحظ أنني أعمل وأرسم بسرعة شديدة. فقلت “هذا ببساطة لأنني أحببت هذا الاستديو”. كان في بناية قديمة، عمرها مائة سنة، قام هو بترميمها في وسط المدينة. أحببت الجدران والآجر الصلصالي، وكان قد رسم عليها فجعل منها أعمالا فنية. بل إنه رسم درج طوابق البناية الثلاثة. وشربنا شايا اشتراه من الصين.

وقعت في غرام الجو في استديو روني. وليس في وسعي امتلاك استديو في بغداد، وأصعب من ذلك امتلاك فرن للخزف. وبرغم أن أعمالي في الغالب تشير إلى فضاءات عامة وآثار وحدائق، فأنا أعمل على المنضدة في غرفة المعيشة في شقتي على لوح بحجم آيه فور. الوضع الأمني يزيد من صعوبة العمل بالخارج، لكنني أيضا أفضل أن أكون وحدي وأنا أرسم. وأنا مقيم في الطابق الثالث عشر من بناية تطل على نهر دجلة. بوسعي أن أرى من الشرفة عمارة بغداد التاريخية، ومن ورائها فوضى المدينة الجديدة. ويروق لي أن أرى المزيد من الأنشطة الثقافية في المدينة.

دأبت على جمع رسائل روني. بل إنني أحتفظ بالطوابع. والمشروع بالنسبة لي دليل على أنه ما من حدود حقيقية بين الشرق والغرب.

روني ديلرو

حينما يصلني البريد وفيه رسالة من سلام، أمسك بها، وأفكر في الوقت الذي استغرقته لتصل من بغداد إلى جينت. اليوم بوسعنا أن نتواصل فوريا من خلال الرسائل النصية، والإنترنت، والهاتف المحمول. في حين أن وصول هذه الرسائل يستغرق ما يصل إلى ستة أسابيع. الرسم خط على ورق. وهو وسيط أبسط وأسرع وأكثر تجردا من العمل في لوحة. لكن إنتاج هذه الرسوم في شكل رسائل يقتضي وقتا. والفن عموما شيء ينبغي أن يستغرق وقتا.

كنت أبحث عن مشاريع تعاون ممكنة في سياق مشروعي البحثي “الرسم تفكير، الرسم حركة”. وكان أول من اقترحهم عليَّ فيليب فان كوتيرين هو سلام، فاصطحبه إلى الاستديو الخاص بي. انتهيت للتو من رسالتي الخامسة والستين. قال لي سلام إن ساعي البريد يتصل به دائما لينبئه أن رسالة وصلت من جينت. يذكرنا هذا بفيلم إل بوستينوIl Postino لمايكل رادفورد (من إنتاج سنة 1944)، وتدور أحداثه حول ساعي بريد يتعلم حب الشعر من قراءة رسائل بابلو نيرودا.

كل رسالة تختلف عن غيرها، لكنني أرجو أنها في مجموعها قد تشكِّل سجلا تاريخيا للسنتين الماضيتين. ولا شك في أننا نعيش عصرا مضطربا. فمن رسائلي الأخيرة رسالة فيها كولاج عن سجينين في تركيا رأيتهما في التليفزيون. حينما وقعت الهجمات على مطار بروكسل، فكرت أيضا في سلام وحياته اليومية في بغداد. فمنحني ذلك منظورا أوسع للحدث.

وفي هذه الرسائل أيضا حياتنا الشخصية. كنت قد أجريت جراحة لساقي في صيف عام 2015، فكنت غالبا ما أكتب لسلام عن فترة العلاج الطويلة. وفي الفترة الأخيرة سافرت إلى نيويورك، ورسمت خريطة ذهنية للمنطقة التي كنت مقيما فيها في الجانب الشرقي من حديقة سنترال بارك. بعثت إليه أيضا رسائل من كاثماندو، ومن مالطا حينما ذهبت إليها مع أسرتي في مطلع السنة الحالية.

أصبح سلام لي بمثابة الضمير. أفكر فيه وأنا أقرأ الأخبار في الصباح وحينما أعرف شيئا جديدا أو أمرُّ بخبرة جديدة أو أزور مكانا جديدا. وفي بعض الأحيان يسوؤني أنني أبعث الرسائل في أثناء أسفاري، بينما حركة سلام بوصفه مواطنا عراقيا محدودة للغاية. لكن هذه الخبرات جميعا حقيقية ولا بد من وضعها على الورق.