شيركو عباس (مواليد السليمانية سنة 1978) فنان مالتي ميديا يعيش ويعمل في السليمانية بالعراق. يعمل بالفيديو والأداء والنص والأغراض الجاهزة. فاز في عام 2013 بمنحة دراسية من الحكومة الإقليمية الكردستانية لدراسة ماجستير الفنون الجميلة في جامعة جولدسميث بلندن. عرضت أعماله في العديد من المعارض الجماعية على المستوى الدولي ومن بينها معرض “تغريب” في ذي شوروم بلندن (2012) و”مضائق خطرة” في ستوديو إمبورت/إكسبورت بكاسل (2012)، و”حرية المتاريس؟” في فاكسيو كونستهول بالسويد (2014)، والبديل 2015 في جدانسك ببولندا.

“موسيقى من عصر بوش” (2017) عمل تركيبي مؤلف من قناتي فيديو تم إنجازه بتكليف من مؤسسة رؤيا للمشاركة في الجناح العراقي في بينالي فينسيا السابع والخمسين ويحمل عنوان “العتيق”. ويعتمد العمل على مادة مصورة جاهزة تسجل رحلة شقيقة شيركو عباس إلى الولايات المتحدة في ديسمبر سنة 2003، حينما كانت عازفة تشيلو في الأوركسترا السيمفوني الوطني العراقي. كان الأوركسترا قد تلقَّى دعوة للعزف في مركز جون إف كينيدي في العاصمة واشنطن بالاشتراك مع عازف التشيلو “يو يو ما” أمام جمهور ضخم ضم الرئيس جورج دبليو بوش وزوجته ووزير الخارجية كولن باول. باستخدام هذه المادة الشخصية المصورة التي سجلت الرحلة، وباستخدام أغراض أخرى جاهزة، يستكشف شيركو عباس دور الموسيقى والسياسة والقوة الناعمة في حرب العراق، وفي الحرب الدائرة على استمالة القلوب والعقول.

“الأمر الذي جعلني لا أشعر بالارتياح لظهور الأوركسترا الوطني العراقي في واشنطن هو حالة الافتعال التي صاحبت الفعالية”. دانيال بايبس

كيف وقعت على هذا الأرشيف؟
لوقت طويل لم أكن فكَّرت في الرحلة إلى أن جاء ذكرها في حوار منذ حوالي سنة. ولما كنت في ذلك الوقت في السليمانية فقد حاولت العثور على أشرطة أختي في البيت. وجدت أربعة شرائط، ولكن اثنين منها كانا تالفين. كما أن أحد زملاء شقيقتي من العازفين أعطاني ما لديه من صور.

ما النقاط البارزة التي لفتت نظرك؟
تلك كانت أول مرة تركب فيها أختي الطائرة، وأول مرة تغادر فيها العراق. لم يكن لديها جواز سفر في ذلك الوقت. أصدر لها الجيش الأمريكي وثيقة سفر خاصة بتلك الرحلة. وسجلت أختي كل شيء: الطريق إلى المطار، الاصطفاف لركوب الطائرة، الرحلة، الحقائب على السير المتحرك، والموسيقى، والبروفات. وفي واشنطن التقت بأحد أبطالها، وهو عازف التشيلو “يو يو ما”. ولكن المواد المصورة تخلو من أي شيء مثير. كان نشاطا فنيا عاديا، بسيطا وبشريا. بل إنها رسمت نخلة على الشرائط.

والدك كان سينمائيا وقام بتغطية حملات الأنفال والانتفاضة الكردية في الثمانينيات والتسعينيات. لماذا قررت أنت التركيز على مادة أختك المصورة في 2003؟
أبي كان مصورا وسينمائيا محترفا. وأرشيفه الذي أقوم حاليا برقمنته يحكي جانبا كبيرا من القصة الكردية، ومن الحياة اليومية في المدن الكردية. لا أريد لعملي أن يبدو إخباريا. لا بد أن يحتوي على مشاعر، على ما يمكن الإحساس به. لقد صورت أختي تجاربها الشخصية بفيلم 8مم منخفض الجودة، مستخدمة كاميرا سوني شخصية كان أبي قد أهداها لها. وضغطت الفيلم باستعمال إس بي فورمات، فقلَّل ذلك من جودة الصور. بدت غير احترافية، وذلك ما أعجبني.

هل علَّمك والدك أو علَّم أختك كيفية استعمال الكاميرا؟
لا، ولكننا كنا نطلع على أرشيفه ومعداته. كان مفتونا بالكاميرات.

ما الذي يخبرك به الأرشيف حينما تستعرضه عن العراق في ذلك الزمن؟
تبرز الصور قضايا لا أزال أمرُّ بها اليوم كفنان عراقي. نحن معزولون ثقافيا وقدرتنا على السفر محدودة بجواز السفر. لا يزال من الصعب العثور على الخامات والمعدات. فيلم ال8مم الذي استعملته أختي كان أفضل المتاح في العراق في ذلك الوقت. كنا قد خرجنا للتو من حرب أهلية في إقليم كردستان، والناس كانوا يكافحون الفقر والحظر.

رجوعا إلى الفيلم، كيف حكيت القصة؟
اخترت من المادة المصورة ما يتصل بالرحلة، والسفر، والتنقل. قضت مجموعة الموسيقيين وقتا كبيرا في الجو على متن الطائرة وفي المطار. هم رمز للنزوح. أردت أن أبرز الأبعاد السياسية للسفر. للوصول من بغداد إلى عمّان أقلتهم طائرة هركيوليز تابعة للجيش الأمريكي، ونسميها “حمودة” في العراق. ثم مضوا في رحلة تجارية إلى مطار جون إف كينيدي بمدينة نيويورك، ومن هناك أقلَّتهم حافلة إلى العاصمة، وفي العاصمة زاروا المتحف الوطني للجو والفضاء، وأضخم مسجد في المدينة، وأقدم كنائسها. استخدمت كذلك أغراضا من الرحلة، مثل وثائق السفر الخاصة بأختي، ووسام مركز كينيدي.

لماذا لم تقصر تركيزك على الحفل نفسه والموسيقى؟
تعرض قناة الفيديو الثانية في العمل صورا للحفل. لم يكن موضوع الفعالية هو الموسيقى، بل جورج بوش وحربه في العراق. الأوركسترا السمفوني العراقي موجود منذ الخمسينيات، أما في مركز كينيدي فاستعمل بصورة مصطنعة كرمز للتعايش في العراق. قبل الحفل، استعان الأوركسترا السمفوني بعازفين من مختلف الجماعات العرقية والدينية في أجزاء العراق الشمالية. التغطية الإعلامية للفعالية هي الأخرى كانت مسيَّسة. في تسجيل للحفل صورته وكالة أنباء أسوشييتيد برس، لا يظهر في الإطار “يو يو ما” الذي صاحب الأوكرسترا العراقي، والتركيز كله منصب على الأوكرسترا. ولكي أبرز هذا استعملت جزءا من فيلم أسوشييتد بريس في نهاية الفيلم، لكن بدون صوت.

كيف يمكن استعمال الموسيقى والثقافة كأداة سياسية؟
كتب الفيلسوف سلافوي جيجيك عن سمفونية بيتهوفن التاسعة التي استعملت نشيدا وطتيا للنازي، كما استعملت ضمن أغنيات شيوعية في الاتحاد السوفييتي والثورة الثقافية في الصين. والأوركسترا السمفوني العراقي عزف مقطوعة Egmont Op. 84 لبيتهوفن في مركز كينيدي. كان “لامورال كونت إيجمونت” نبيلا هولنديا أدى ذبحه إلى خروج الشعب على الحكم الأسباني لهولندا والإطاحة به. هي مقطوعة ثورية كتبها بيتهوفن دعما للجمهورية الديمقراطية. تاريخها يتماثل مع أمور في العراق اليوم. ولكنها عزفت في مركز كينيدي لهدف مختلف. استعملت افتتاحيتها جزءا كموسيقى الفيلم.

ما أهمية هذا العمل اليوم، بعد خمسة عشر عاما على رحلة أختك؟
أنا كفنان أبحث في الماضي لأفهم الحاضر. خريطة العراق اليوم هشة. وقد لا تستمر طويلا على وضعها الحالي. وأنا أسائل هذا الوضع، بوصفي عراقيا وبوصفي كرديا. لدينا طوال الوقت في العراق مشكلات جديدة، وعلى الفنانين أن يتعاملوا معها. فالفنانون وحدهم القادرون أن يتبينوا كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

ولماذا الفنانون وحدهم؟
نحن في العراق منقسمون سسياسيا، لكن الثقافة بقيت بدون أن تمسها كل تلك المشكلات. لاحظت هذا حينما أخرجت فيلما عن السينما في كركوك سنة 2007. الأكراد والتركمان والعرب يتقاتلون على المدينة حتى يومنا هذا. ولكن التوترات ما بين هذه الجماعات تلاشت وهم يتكلمون عن السينما. كانوا يتكلمون معا ويمزحون مع بعضهم بعضا. الثقافة هي أكثر الجوانب هشاشة في المجتمع العراقي، وأشدها قوة في الوقت نفسه.

قلت إن موضوع الفعالية لم يكن الموسيقى، بل توجيه رسالة سياسية. كيف تميز هذا عن عملك أنت؟
هذا سؤال صعب. عملي سياسي لكن ليست له رسالة أيديولوجية. أو أنني على الأقل لا أريد أن تكون لي رسالة أيديولوجية. العمل، على سبيل المثال، يناقش هشاشة الأمة العراقية اليوم، ولكنني لا أقول إننا يجب أن نقيم دولة منفصلة للأكراد. كل ما في الأمر أنني أبحث وأطرح أسئلة.

هل تعتقد أن الحفل غيَّر أختك على أي نحو؟
لم أطرح عليها هذا السؤال قط. لا أعتقد أنه غيَّرها موسيقيا، لكن لا بد أن الرحلة أثَّرت عليها. بعد سنتين منها هاجرت إلى السويد وهي الآن مؤلفة موسيقية طليعية في برلين.