لؤي فاضل (مواليد بغداد سنة 1982) سينمائي مقيم في بغداد. درس الهندسة المعمارية، ثم درس صناعة السينما بأكاديمية نيويورك للسينما في أبو ظبي. وأخرج منذ ذلك الحين سبعة أفلام قصيرة. منها “أحمر شفاه” (2012) عن تدريس الجنس في فصل للبنين بمدرسة ثانوية ببغداد، وقد فاز بالجائزة الذهبية في مهرجان أفلام المشرق في جينيف سنة 2014. أما أحدث أفلامه “قطن” (2013) الذي يتناول حياة فتاة من قرية خارج مدينة النجف المقدسة لدى المسلمين الشيعة ففاز بجوائز عديدة منها أفضل مخرج من مهرجان دبي السينمائي الدولي سنة 2014. تم تكليف لؤي فاضل بإنتاج عمل جديد للجناح الوطني العراقي في بينالي فينسيا السابع والخمسين وعنوانه “العتيق”. يحمل الفيلم عنوان “عرضحالجية” ardahalchis وهم الكتبة الذين لا يزالون موجودين في المدن العراقية يكتبون الرسائل ويساعدون الناس في ملء الاستمارات خارج المباني الحكومية.

تقول إنك لا تريد أن تخرج أفلاما عن الحرب في العراق. فلماذا؟

هناك أفلام كثيرة للغاية عن الحرب في العراق. أريد أن أحكي قصة مختلفة، وأعالج ثيمات إنسانية يشترك فيها الجمهور من شتى أرجاء العالم. خلال دراستي في أكاديمية نيويورك للسينما بأبو ظبي، سنحت لنا فرصة الحديث مع المخرج الهوليودي جيمس كاميرون الذي أخرج علامات مثل “المبيد”Terminator (1984) وتيتانيك (1997) وأفاتار (2009). حينما قلنا له إننا من العراق قال “لو أتيح لي أن أخرج فيلما عن العراق فسوف يكون موضوعه الحب. والحرب سوف تكون جزءا من الخلفية”. ومنذ ذلك الحين أحاول أن أخرج أفلاما عن ثيمات إنسانية فلا تكون الحرب القائمة إلا جزءا في الخلفية. أريد أن أركز على الإيماءت البصرية واللغة اليسيرة على الأفهام في كل مكان. لذلك لا كلام في أفلام لي مثل “أحمر شفاه” و”قطن”.

لكن الأفلام التي أخرجتها لا تحذو حذو القصص الهوليودية. هي في الغالب تعالج تابوهات تتعلق بالجنس والقضايا الاجتماعية الخاصة بالعراق.
نعم، أنا أيضا لست متأثرا بهوليود، بل بسينمائيين من أمثال المخرجين الإيرانيين عباس كيارستمي، وأصغر فرهادي، وماجد ماجدي، والصربي إمير كوستوريتشا. أحب الاتجاه الطبيعي والواقعي لدى هؤلاء المخرجين. كيارستمي استعان ببشر حقيقيين في “مذاق الكرز” (1997) بدلا من الاستعانة بممثلين مدربين. وأنا أتبنى هذا التكنيك في أفلامي.

كيف تطور المشهد السينمائي في العراق منذ أن بدأت العمل؟
في ظل صدام لم تكن الأفلام الروائية الطويلة إلا أفلام بروباجندا. بعد 2003، صار بوسع السينمائيين في العراق أن ينتجوا أفلاما بدون رقابة من حزب البعث. أدى هذا إلى موجة جديدة من السينما العراقية. مخرجون من أمثال عدي راشد ومحمد الدرادجي كانا أول من حاول تنفيذ أفلام في السنوات التالية لـ 2003، فكانوا مصدر إلهام لغيرهم. بدأ السينمائيون العراقيون المشاركة في مهجرانات السينما الدولية والشرقأوسطية، ويفوزون بجوائز، مثل نجوان علي في مهرجان تريبيكا السينمائي وفوزه بجائزة عن “طيور نسمة” (2013). غير أن الثقافة تغيرت في السنوات الثلاث الأخيرة. فقلَّ عدد الأفلام، وكثير منها بات مكرسًّا لمحاربة داعش والاحتفاء بالجيش العراقي.

31511379182_3c4bffc930_o 30847592553_335760ef2d_o

اثنان من أفلامك، هما “أحمر شفاه” و”قطن”، يتناولان المراهقة، في حياة الأولاد والبنات على الترتيب. ما سر أهمية هذا الموضوع بالنسبة لك؟
ليس في العراق تدريس للجنس في المدارس. وهذا يؤثر على الأولاد في الفصل الدراسي في أحمر شفاه، وعلى البنات في المزرعة في قطن. غياب تعليم الجنس في المدارس ترك آثارا سلبية جسيمة على الصحة، لا سيما صحة النساء اللاتي لا يتعلمن شيئا حتى عن الطمث. يشغلني بصفة أوسع وضع التعليم عموما في العراق. فمدارسنا تتبع في التدريس نهجا هيراركيا قاسيا. أحمر شفاه مأخوذ عن تجربتي الخاصة في المدرسة. كل ما يريده الأولاد في الفيلم هو أن يلعبوا. يشتهون أحذية نايك، مثلي عندما كنت في مثل عمرهم. سنوات المراهقة أخطر مرحلة في تطور الإنسان. هي السنوات الهشة التي تتشكل فيها أخلاقيات المرء وآراؤه. الإرهابيون والمقاتلون الذين نراهم في العراق اليوم هم على الأرجح من تم تجنيدهم في مراهقتهم.

صوَّرت “أحمر شفاه” في فصل حقيقي. ما التحديات التي واجهتك في تنفيذ ذلك؟
عملت لأربعة أيام في مدرسة بالصالحية. ولم يحضر جميع الأولاد الأيام الأربعة، فتعبنا لكي نحافظ على الاتساق. البطل الأصغر في الفيلم، وفيق هشام، جاء من ملجأ, لم يكن يجيد القراءة والكتابة، فكان علينا أن نرتجل ونجهز لكل مشهد في موقع التصوير نفسه. وللأسف، رجع الولد إلى الشوارع مرة أخرى، وفقدت الاتصال به.

30847592293_5bb5b9c2bb_o

في المقابل، فيلم “قطن” يتناول قصة فتاة تعيش في مزرعة خارج النجف، وتجربتها مع الطمث الأول. ما الذي ألهمك الفيلم؟
ـ قطن مستوحى من قصة قصيرة كتبها ابراهيم أحمد في السبعينيات، وهو كاتب عراقي مقيم في السويد. عندما اكتشفت أن ابراهيم أحمد لا يزال حيا، ولكنه يعيش في المنفى، تواصلت معه وتكلمنا كثيرا عن تحويل القصة للسينما. صورت الفيلم خارج بغداد، وركاب الحافلة كانوا ركابا حقيقيين تطوعوا للاشتراك في الفيلم. كنت على المستوى البصري راغبا في حكي قصة معقدة بدون اللجوء إلى كلمات. كنت أريد أيضا أن أخرج فيلما عن النساء. فهن أصل الأرض، ومنهن نأتي إلى الحياة.

هل تشير هنا إلى عشتار إله الخصوبة البابلية؟
ليس بشكل واع، ولكن يعجبني هذا الربط.

31511378972_185b285930_o

يلمح “قطن” إلى قضايا كثيرة تواجهها النساء في العراق، بخصوص المراهقة والجنسية والزواج. ألم يكن ينبغي أن تصنعه نساء؟
أتفق تماما, المشكلة أنه خلافا لمصر أو لبنان، ليس لدينا الكثير من المخرجات. لدينا ممثلات وكاتبات شهيرات، لكن ما من مخرجات. المجتمع العراقي يحابي الرجال، ويصعب على النساء أن يتولين مناصب القيادة.

32418261575_1ea42f0965_b

فيلمك “العرضحالجي” (2017) تم بتكليف من الجناح العراقي، ضمن ثيمة “العتيق”. كيف تعاملت مع هذه الثيمة؟
ـ يمكن الآن إنجاز جميع معاملاتنا الورقية إما إلكترونيا أو عبر الهاتف. ومع ذلك لا يزال الناس في العراق يستعينون بالعرضحالجية لإنجاز أوراقهم القانونية. تقليد بال تماما قد يختفي عما قريب.

ما التجارب الأولى التي مررت بها مع العرضحالجية في العراق؟
ـ كل من في العراق يكرهون العرضحالجي، ولا يستثنى من ذلك القضاة والمحامون الذين يأمرون باستخراج هذه الوثائق. معروف عن العرضحالجية أنهم يضيفون قواعد لزيادة أجور خدماتهم. في طفولتي كان هناك عرضحالجي خارج قسم الشرطة القريب من بيتنا. كنت أتخيل أنه يتعاون مع المجرمين في المنطقة. وبعدما كبرت كان عليَّ أن أستعين بعرضحالجي في ظل ظروف شديدة الصعوبة.

32267526722_844f4822e2_k 31575242384_4232d75dfc_o

كيف قمت بالبحث في دور العرضحالجي وكيف قمت بتطويره؟
ـ كنت أجلس مع العرضحالجية فأقضي النهار كاملا، لمرات عديدة كل أسبوع ولمدة أربعة أشهر، أشاهدهم يستقبلون الزبائن ويدوِّنون الملاحظات. أدركت أنه لا يوجد من يرتاح في الحديث إلى العرضحالجية. العرضحالجية يعرفون جميع أسرارنا. نحن نحكي لهم قصصا خاصة عن أسرنا وأحبابنا.

لا بد أنك سمعت قصصا كثيرة عن الحياة الأسرية والعائلية في العراق حينما كنت تجلس مع العرضحالجية. لماذا ركزت على قصة زوج وزوجة؟
ـ الفيلم أيضا قصة شخصية عن الفجيعة. في الفيلم، يعلم العرضحالجي أن الترمل أصاب عميله بالجنون، لكنه لا يفعل شيئا لمساعدته. يستمر في كتابة الرسائل ويقبض نقوده. هو عديم الإنسانية. تزوره الشخصية الأساسية كل يوم للتخفف من كربه، كأنه طبيب نفسي. يريد أن يعتقد أن زوجته لا تزال على قيد الحياة، لأنه يحبها. كأنه يبعثها إلى الحياة من خلال حديثه إلى العرضحالجي.

هل تغير رأيك في العرضحالجية بعد قضائك وقتا معهم؟
لا. لا زلت أمقت العرضحالجية ولا أثق فيهم.31575242834_c51b510e6a_k

ما الذي يحكيه لنا الفيلم عن بغداد المدينة؟
ـ صورت الفيلم أولا خارج محكمة قديمة في شارع النهر حينما كان الشارع خاويا. ثم صورنا مجددا خارج محكمة بالقرب من باب الشرق، في يوم مزدحم. وكلتا المنطقتين تاريخية ومهمة في بغداد. كثيرا ما كنت أذهب إلى باب الشرق في طفولتي بصحبة أبي، لالتقاط الصور الفوتغرافية في المحلات هناك. الزحام حول العرضحالجي كان يقاطع المشهد دائما. لا أحب هذا الازدحام في الفيلم، لكن هذه هي بغداد. الحرب تفصيلة ثانوية في الرسالة. الزوج والزوجة يقرران عدم الإنجاب ظنا منهما أن تنشئة طفل في العراق جريمة. ولأن لدي ابنا، فأنا أشاركهما في هذا الظن. أفضل لو أنه يغادر العراق.

هل تريد أن تغادر العراق؟
نعم، لكن حياتي هنا. ابني وأسرتي ووظيفتي هنا في بغداد. لو جاء يوم وغادر ابني، فسوف أتبعه.

هل استعنت بعرضحالجي حقيقي في الفيلم؟
أنت شاهدت الفيلم… ما رأيك؟