يسر مؤسسة رؤيا أن تعلن مزيدا من التفاصيل عن الجناح العراقي الوطني في بينالي فينسيا السابع والخمسين الذي يقام في مايو 2017 ويحمل عنوان “العتيق” ويقدم أعمال ثمانية فنانين عراقيين معاصرين ومحدثين في حوار مع أربعين عملا فنيا عراقيا أثريا مستعارا من متحف العراق الوطني تغطي ستة آلاف عام ابتداء من العصر الحجري الحديث وصولا إلى الحقبة البابلية الجديدة. أغلب هذه المعروضات لم يغادر العراق من قبل، باستثناء قليل مما تم استرداده أخيرا بعد أعمال النهب التي تعرَّض لها المتحف في عام 2003. ويصاحب المعرض أيضا مشروع جديد للفنان العالمي بلجيكي المولد فرانسين آليس موضوعه الحرب والفنان. سيكون “العتيق” ثالث مرة تقوم فيها مؤسسة رؤيا بالإشراف على الجناح العراقي الوطني في بينالي فينسيا.

IMG_0158

ينبع التوتر الكامن في مصطلح “العتيق” من إحالاته العديدة إلى القديم والأصيل، وكذلك من إحالته إلى ما عفا عليه الزمن. والمعرض سوف يبرز هذا التوتر بما يؤكد علاقة المصطلح الخاصة بالعراق الذي يمكن أن يصف “العتيق” واقعه السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي القائم بقدر ما يصف تراثه القديم. وسوف يشترك في الإشراف على المعرض كل من تمارا الجلبي (رئيس مؤسسة تنمية والمؤسسة المشاركة لها) وباولو كولومبو (المستشار الفني لمتحف الفن المعاصر في اسطنبول). وقد صرَّح المشرفان بأن:

“العتيق باستكشافه تراث العراق الفني منذ العصر الحجري وحتى العصر الراهن يستكشف أيضا السبل المختلفة التي يؤثِّر بها الماضي العتيق على اللغات البصرية المعاصرة والحديثة، متأمِّلا ما يتيحه التراث العتيق الهائل من فرص للأمة في واقعها الآني الهش وكذلك ما يفرضه عليها من قيود”.

سوف يحتوي المعرض أربعين قطعة أثرية يرجع أقدمها إلى حقبة الحضارة الحلفية (6100 – 5100 ق م) ووصولا إلى الفترة البابلية الحديثة (247 – 224 ق م)، وتتراوح خامات تلك القطع بين الحجر والزجاج والفخار، وتتخذ أشكال أختام أسطوانية وألواح مسمارية وأغراض طبية وآلة موسيقية وتماثيل حيوانات وآلة وأشخاص وقوارب، وأغراض من الحياة اليومية كالبرطمان والغربال والدمى. من هذه الأعمال ما أعادته إدارة الإنتربول في 2008 و2010 من مناطق بينها هولندا وسوريا والولايات المتحدة. من بين هذه القطع مثقال حجري بابلي على شكل بطة، وتمثال صغير دقيق يفترض أنه لإلهة الخصوبة ويرجع تاريخه إلى قرابة 6000 ق م. وقد قام باختيار تلك المعروضات الأثرية كلٌّ من الشريكة المنظمة تمارا الجلبي ومدير إدارة الآثار بمتحف بغداد الوطني قيس حسين راشد وفريقه وعالمة الآثار لمياء جيلاني وير.
من المعروضات الآسرة أيضا عَقد تبنٍّ من الحقبة البابلية ينبع تفرده من بقاء اللوح والإطار على حالهما الأول، وكذلك الأختام الزخرفية التي استخدمها الشهود للتوقيع بأسمائهم. ومن المعروضات أيضا خاتم أسطواني مميز من الحقبة الأكادية يصوِّر ثلاثة مشاهد متوازية من جلجامش ونص مدرسي صلصالي مدوّر من الحقبة البابلية كان يستعمل في تعليم الكتابة.

سوف تتيح المعروضات الأثرية تأمل العتيق بوصفه مؤشرا إلى ثيمات إنسانية مشتركة مع أي حضارة. وقد حدَّد المنظمون سبع ثيمات يمكن رؤية كل عمل عبر منظور ثيمة منها. هذه الثيمات هي الماء والأرض والصيد والكتابة والموسيقى والصراع والشتات. وسوف تعرض جميع الأعمال في خزائن عرض مصمَّمة خصيصا بحيث تعكس أسلوب العرض المتحفي المرتبط بعرض الآثار، وكذلك الممارسات الخاصة بالأثريين. كما ستعني أيضا إمكانية تلقي أي عرض بوصفه فصلا مستقلا بذاته علاوة على كونه جزءا من سياق “العتيق” الأكبر. ويقام المعرض في فضاء يضيف أصداء إلى ثيمة “العتيق”، إذ يقام في مكتبة قديمة ذات قيمة تاريخية، حيث أقيمت في فترة التوسع القوطي الجديد في القرن التاسع عشر.

Stampa

من الفنانين العراقيين الثمانية الذين ستعرض أعمالهم هناك ستة فنانين أحياء، خمسة منهم سوف يقدمون أعمالا جديدة للجناح. ولأن أعمال كثير من فناني العراق اليوم لا تزال ملتزمة بقيود التراث الجمالي الضيِّق النابع من اتجاهات التعليم المتبعة منذ القرن التاسع عشر ومن افتقار العراق في العقود الأخيرة إلى التبادل الثقافي، فإن جميع أعمال مؤسسة رؤيا ترمي إلى رعاية ودعم الفنانين الساعين إلى تجاوز هذه الصيغ وصولا إلى أعمال التركيب والفيديو والفوتغرافيا التي سوف تعرض بالتوازي مع الوسائط الأكثر تقليدية مثل الرسم والنحت. وهكذا فإن أعمال الفنانين المعاصرين شركو عباس (مواليد 1978) وصادق كويش الفراجي (مواليد 1960) وعلي أركادي (مواليد 1982) ولؤي فاضل (مواليد 1982) ونادين حاتم (مواليد 1980) وصقر سليمان (مواليد 1979) سوف تتفاعل مع أعمال فنانين حديثين عراقيين هما سليم جواد (1919-1961 ) وشاكر حسن السعيد (1925-2004). ولقد كان سليم جواد وحسن شاكر السعيد من أوائل الرواد الذين كافحوا وصولا إلى فن عراقي جديد في القرن العشرين يشتبك مع الطليعة الأوربية منتجا لغة عراقية مميَّزة لا تتنكَّر لتراث العراق الفريد.

يعد الرسام والنحات سليم جواد أب الفن العراقي الحديث، كما أن له تأثيرا كبرا في المنطقة كلها. ولقد كان من أوائل الفنانين العراقيين الذين درسوا الفن الحديث في أوربا، وقد أتاحت له دراسته في مدرسة سليد للفنون الجميلة بلندن في ثلاثينيات القرن العشرين أن يجمع بين التأثيرات الأوربية الحديثة والتعليم الفني المبدئي الذي تلقاه في المتحف الوطني العراقي. كان سليم جواد يرغب في خلق لغة عراقية جديدة، فاشتهر بلوحاته التي تجمع بين الأشكال التجريدية وموتيفات حضارات ما بين النهرين، فضلا عن اشتهاره بنصب الحرية الذي أقيم في بغداد تخليدا لذكرى ثورة 1958. يقدم “العتيق” عملين مهمين من أعمال سليم جواد من بينهما “بائعة الدجاج” (1951) التي لم تعرض للجمهور منذ عرضها الأول في العراق في خمسينيات القرن العشرين.

كان شاكر حسن السعيد رساما ونحاتا وكاتبا وأحد تلاميذ سليم جواد. وكان لديه هو الآخر انشغال عميق بالعثور على لغة جديدة للفن العراقي فأسَّس مع أستاذه جماعة بغداد للفن الحديث في سنة 1951 فكانت انعكاسا لتنامي المشاعر القومية المعادية للاستعمار. يعرض “العتيق” عددا من لوحات شاكر حسن السعيد في فترة الستينيات تظهر اهتمامه الشديد بالإلهي، وولعه بالصوفية والتجريد وافتتانه بالخط العربي. ومن الجدير بالذكر أن عام 2003 لم يشهد فقط نهب متحف بغداد الوطني، ومركز صدام للفنون، بل وشهد بالتوازي مع ذلك نهب معرضي سليم جواد وشاكر حسن السعيد. فكان هذا انتهاكا للتراث العراقي الفريد، ولكن من الدال أيضا أن الاهتمام الدولي بالمنهوبات قد تركّز على آثار حضارة ما بين النهرين، وهي الآثار التي تعد جزءا من تراث الإنسانية.

سوف يبيِّن المعرض العلاقة بين الفن العراقي المعاصر والحديث مبيِّنا كيف يمكن لهذه العلاقة أن تضيء علاقة أخرى بينهما وبين العتيق. ستقدم كل من نادين حاتم وصقر سليمان أعمالا تركيبية جديدة. فتنطلق نادين حاتم من تراثها العائلي ودلالة الماء، بينما تنظر صقر سليمان في دلالة الأرض وعلاقته بالناس وبها على المستوى الشخصي. نادين حاتم فنانة عراقية أسترالية مقيمة في برلين. تقوم أعمالها على الفوتغرافيا والنحت وتجمع بين أغراض الحياة اليومية لتتأمل اللغة والهوية وتمثلاتهما. ومساهمتها في الجناح سوف تستكشف تراثات الطائفة المندائية، وهي جماعة دينية في جنوب العراق ترجع إليها جذور عائلة الفنانة. والمندائيون يكنّون إجلالا خاصا ليوحنا المعمدان ويرتبط كثير من ممارساتهم الثقافية بالماء. وسوف يستكشف عمل نادين حاتم التركيبي هذه الثيمة من خلال أغرض تجدِّد ذكريات أبيها وأمها فضلا عن الذاكرة الجمعية المندائية. وسوف تتضمن صورا فوتغرافية من ألبوم عائلي وأحبارا وصلصالا.

تستعمل صقر سليمان في عملها التركيبي التراب والحجر من جبال المنطقة الكردية قرب بيتها لخلق نموذج للعالم حسبما تراه. يمثل العمل كذلك تأملا في الطبيعة، وفي علاقة الفنانة بها، بوصفها منشأ الإنسانية. التجريد في عمل صقر سليمان ـ كما يتجلّى من تواتر استعمالها للشكل الدائري ـ مرتبط أيضا بانشغالها بالنساء وأصواتهن المكتومة في المجتمع. صقر سليمان مقيمة في كردستان وتجمع أعمالها غالبا بين النص والشعار والتركيب الأرضي والأغراض الجاهزة للتركيز على السياسي والاجتماعي الثقافي واليومي في العراق.

ثلاثة من الفنانين العراقيين سوف يدمجون الأفلام في أعمالهم، فيركِّز أحدها على طرق عرض المعلومات التاريخية في العراق، والآخر يشتبك مع الممارسات الكتابية التقليدية، والثالي يركز على الموسيقى والسفر في العراق. يبدع صادق كويش الفراجي كتبا فنية وأعمال تحريك، وسوف يجمع العمل الذي يشارك به في الجناح بين الرسومات والتحريك في عمل تركيبي يسائل الطريقة التي تقدم بها الكتب المدرسية العراقية سرديات الماضي العراقي. سوف تسير الشخصيات عبر العصور والمخطوطات داخل الفيلم الذي سوف يتماس أيضا مع الخرافة والأركيولوجيا والمعرفة الدينية والصيد. رحل صادق كويش الفراجي عن العراق في تسعينيات القرن الماضي، بعد بقائه في العراق وإنتاجه أعماله فيها أثناء الحرب الإيرانية العراقية. وهو الآن مقيم في هولندا، وبرغم تأثره الهائل بالتراث الأوربي، لا سيما تراث التعبيريين الألمان، فإن تركيز أعماله يبقى منصبا على العراق.

على النقيض، سوف يعنى فيلم لؤي فاضل بتراث عراقي مختلف في نقل المعلومات المكتوبة، مركزا على ممارسة عتيقة لم تزل قائمة في بغداد اليوم، حيث يقيم الكتبة مكاتب مرتجلة خارج البنايات الحكومية لمساعدة الزوَّار والعابرين على ملء الاستمارات الرسمية. سوف يركز الفيلم على رجل يزور أحد أولئك الكتبة بصفة يومية في محاولة منه للتواصل مع زوجته حديثة الوفاة، بما يوحّد حاضر العراق وتاريخه العتيق كمهد للكتابة. يقيم لؤي فاضل في بغداد، وقد بدأ عمله السينمائي في عام 2009 ، وفاز منذ ذلك الحين بجوائز من مهرجان الخليج السينمائي ومهرجان دبي السينمائي ضمن جوائز أخرى.

شركو عباس فنان وسائط متعددة (مالتي ميديا) يعمل بالفيديو والأداء والنص والتركيب، وهو مقيم في السليمانية لكن المادة المصورة الرئيسية في عمله التركيبي هي من إنتاج أخته عازفة التشيلو في الأوركسترا العراقي، وقد صوّرتها بمناسبة زيارة الأوركسترا لمركز كينيدي في واشنطن في ديسمبر 2003. عبر شاشة منقسمة تعرض صور تدريبات الأوركسترا بجانب مشاهد تصور الوسائل التي استوجبها السفر إلى الولايات المتحدة. فقد استعملت وسائل كثيرة في الرحلة، من بينها استعمال الطائرات الحربية، بما يتماس مع أفكار البداوة والترحال. سوف يتضمن العمل التركيبي أيضا موسيقى مدونة، وبرامج وتسجيلات تاريخية أخرى لهذا التبادل الثقافي الذي جرى في لحظة فارقة في العلاقات بين البلدين، إذ وقع الغزو الأمريكي للعراق في مارس من ذلك العام.

الفنان المعاصر الأخير في هذه المجموعة هو علي أركادي، وهو مصور صحفي يقدّم منذ عام 2010 تغطية صحفية للواقع السياسي المتقلّب في العراق، ويقوم بالتغطية الصحفية المنتظمة للجبهة منذ هجمات داعش سنة 2014. وسوف تعرض مجموعة من أحدث أعماله التي نفذها أثناء حملة الموصل الجارية على داعش، وتنقسم ثلاثة أقسام: صور توضح تأثير الحرب على الجنود، وصور توضح مدى تأثير الحرب على الأرض، وصور توضح تأثير الحرب على المدنيين، مع التركيز على الهجرة وبالتالي على أزمة اللاجئين القائمة.

فرانسين أليس
يصاحب “العتيق” مشروع جديد للفنان فرانسيس أليس الذي ولد في أنتويرب ويقيم في العاصمة المكسيكية. في فبراير 2016 قام فرانسيس أليس برحلة إلى العراق رتَّبتها له مؤسسة رؤيا زار خلالها معسكرات اللاجئين في شمال العراق. وأتبع ذلك بزيارة استثنائية في نوفمبر 2016 إلى جبهة الموصل برفقة الكتيبة الكردية أثناء عملية تحرير الموصل. السؤال الأساسي في هذا العمل التركيبي الجديد هو المتعلق بدور الفنان في الحرب. وسوف يتضمن العمل رسومات، ولوحات، وصورا فوتغرافية، وملاحظات حول تجربة أليس في الموصل. أما الفيديو فيتناول حركة الناس على خلفية قصف التحالف، مع استمرار تقصّي إجابة للسؤال عن دور الفنان كشاهد، وهو السؤال الذي أثير أثناء رحلة أليس الأولى للعراق وتفاعله مع الأطفال في مخيمات اللاجئين.

تنزيل بيان صحفي