رباب غزول (المولودة 1970) فنانة بصرية تستخدم العناصر التي تجعل مشاركة المواطن أساس و كذلك العناصر الأدائية في أعمالها الفنية، وتعيش في مدينة كارديف في ويلز. تستكشف من خلال عملها أسباب نشأة الهياكل السياسية والاجتماعية القائمة وتأثيراتها، وطرق تعامل عموم الناس مع الشأن السياسي. يتخذ عملها أشكالا عدة، منها الفيديو، والأعمال المركبة، والنصوص، والفن الأدائي، أو التداخل والمواجهة مع الحيز العام. وتعتمد كل أعمالها بشكل كبير على النصوص أن وجدت بطريق الصدفة أو مكتوبة أو تم البحث عنها أو طلب كتابتها ، وتشهد استخداما كثيفا للرسوم على النصوص. وسوف تعرض غزول في الجناح جزءا من مشروع أكبر يعود بـ”تحقيق تشيلكوت” (حول مشاركة المملكة المتحدة في الحرب على العراق) إلى نقطة البداية. أقامت غزول معارض منفردة في جاليريهات g39 ومركز تشابتر للفنون في كارديف، كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية على مستوى العالم.
قضيت معظم سنين حياتك في المملكة المتحدة. فما المكان الذي تعتبرينه وطنك؟
تركت العرق في سن التاسعة. بدأ أبي التدريس في مانشستر فسافرنا على أن نرجع مرة أخرى. ثم اندلعت الحرب العراقية الإيرانية واستمرت ثمان سنوات. وهكذا استقرت بنا الحال بشكل دائم في المملكة المتحدة. موطني الآن هو كارديف، في ويلز، حيث درست وعشت لمدة 21 عاما. البلاد الصغيرة مثل ويلز أحيانا ما تتمتع بقوة كبيرة، وكثيرا ما تشارك بفاعلية في التغيير في حين تظل البلدان الأكبر تراوح مكانها. المجتمع في ويلز متماسك ومتضامن بطبيعته. وهذا الأمر يحدث في نفسي أكبر الأثر.
ما هي ذكرياتك في العراق؟
الطفولة، والحياة الأسرية، والمدرسة، ونشأتي في الموصل، والتجمعات التي لا تنتهي للعائلة الممتدة التي تشمل ثلاثة أو أربعة أجيال، تجمعات اكتشفت فيما بعد أنها غير شائعة في بريطانيا. عندي ذكريات أيضا لأشياء أصغر، شراء الـ”قيمر” من الدكان على ناصية الشارع صباحا، أو صوت مباريات طاولة الزهر الحامية وهي تتردد في أرجاء المنزل. أتذكر أماكن أخرى في العراق. زيارة الأقارب في الجنوب في أحد الأعوام، انطلقت أسرتي في رحلة عبر الأهوار. كانت السيارة تمضي في طرق تقطع مسطحات شاسعة من المياه. ورأينا أطفال المنطقة يستوقفونا ملوحين بأياديهم ، قبل أن ينتهي بنا الأمر على متن قارب ونحن نقضي العصر مع عائلات عرب الأهوار الذين دعونا إلى منازلهم المشيدة على المياه. ذكريات الطفولة غالبا ما تكون مثالية لكنني أتذكر أنني نشأت وسط هذا النوع من الكرم.
كفنانة، كيف يمضي يومك؟
كل يوم يختلف عن الآخر. ربما أصور فيلما، أو أعمل على “مونتاج”، أو أكتب أو أخطط وأنظم لمشروعات، مشروعات خاصة بي أو مشروعات مشتركة مع أناس آخرين، أو مع منظمات ومؤسسات أخرى. معظم عملي يحدث خارج الستوديو. فأنا ضليعة بالعمل المجتمعي والأنشطة الاجتماعية مع مجموعات مثل “مجلس الشعب”، وهي حركة مناهضة لإجراءات التقشف تنتشر في مختلف أرجاء المملكة المتحدة، وتعارض تفكيك نظام الأمان الاجتماعي وخصخصة الخدمات العامة. كذلك فأنا مشغولة على وجه الخصوص بكيفية توسيع قاعدة المشاركة بين الناس العاديين الذين يريدون تغيير الأمور لكنهم لا يعرفون كيف. حاليا، أساعد في إدارة مجموعة للفنانين داخل تلك الحملة.
تغلب السياسة والمشاركة الاجتماعية على أعمالك الفنية. فما هو دورك كفنانة؟
أعمالي الفنية ترتبط بالناس، ونادرا ما تتم من دونهم. أريد إشراك الناس وفتح مساحة للحوار. الأمر يتعلق بالاستكشاف بصحبة آخرين، والعمل الفني وسيلة لخلق تلك المساحات مع آخرين. أفعل ذلك في عملي الفني، وأيضا عبر نشاطي الاجتماعي والمجتمعي. بالنسبة لي، يبقى السؤال دائما: من الذي يشكل وجه العالم، وأية أصوات تلقى آذانا صاغية؟
هل يمكنك أن تحدثيني عن مشروعك الأخير لبينالي فينيسيا؟
هو عمل فيديو قائم على الشهادة التي أدلى بها توني بلير عام 2010 أمام لجنة تحقيق تشيلكوت، وهو تحقيق حكومي بريطاني حول غزو واحتلال العراق. وقد دعي مئات الأشخاص، ومن بينهم توني بلير، للشهادة أمام لجنة عامة. وأنا أعتبر ردوده واحدة من “كلمات الشعب”- لا لكونها من الشعب أو لأجل الشعب، وإنما لأهميتها الكبيرة للجمهور البريطاني. إذ يقدم بلير في كلمته مبررات سوقنا إلى الحرب، ويعترف على الملأ بالأفعال التي ارتكبها باسمنا، من أجل حماية ديمقراطيتنا وحريتنا. كفنانة أنا مشغولة بالعودة إلى تلك اللحظات، إعادة الشريط، وإيقافه. في الفيديو، نسمع أناسا عاديين يتحدثون بالكلمات التي قالها بلير، المترعة بتبرير الأفعال التي ارتكبت باسمهم.
اشتغلت بالمسرح التجريبي في التسعينيات. فما الذي دفعك إلى الاتجاه إلى الفنون البصرية؟
عشريناتي كانت مرحلة اكتشاف بالنسبة لي. أسست فرقة للفنون الأدائية مع ثلاثة أشخاص آخرين. كنت متأثرة بالفنانين قدر تأثري بالمسرحيين. وأخرجت عرضا اسمه “الرداء”، مستلهم من عرض “الرداء الأحمر” (1992) لفنانة الأعمال المركبة بيفرلي سيمز. عندما بدأت في إنتاج أعمال منفردة في أوائل ثلاثيناتي، شعرت أن العروض المسرحية وحدها لا تستطيع احتواءها. وفي النهاية أدركت أنني أعمل كفنانة بصرية، وأنني توقفت عن إنتاج المسرح. ومع أنني أعمل الآن بوسائل مختلفة تماما، فلا تزال العناصر الأدائية قائمة في أعمالي.
من أين استلهمت عملك الأخير “لا يتسع الوقت إلا لتسجيل أسمائهم وأرقامهم”، في 2014؟
طلب مني أن أنتج صورة من أجل خريطة فنية للمدينة. واخترت صورة لأخي، وهو بين الرابعة والخامسة، في منزلنا في الموصل عام 1972، وهو يركب دراجة ثلاثية، ولسبب ما كان ثمة دلو يغطي رأسه. كنت منجذبة بحق لتلك الصورة الفوتوغرافية. أما الاسم فقد استلهمته من فيديو به نص مروي شاهدته في معرض “دوكيومينتا” dOCUMENTA في 2012. ووجدتني أدون العبارة: “لا يتسع الوقت إلا لتسجيل أسمائهم وأرقامهم”. وعندما كنت أبحث عن عنوان لصورة أخي، قفزت هذه العبارة إلى ذهني. من الذي يسجل أسماء وأرقام الناس الذين يلقون مصرعهم في النزاعات؟ وبدت لي أن الصورة والعبارة منسجمتين.
ما أهمية دعم الفن داخل العراق؟
وسائل الإعلام عندنا ترسم لنا صورة محدودة. نحن بحاجة لسماع الحكايات من الفنانين أنفسهم، التعبير من داخل العراق. عن نفسي، وبفضل منظمات مثل رؤيا، أصبح لدي إدراك للأعمال الفنية التي تخرج من العراق. لقد لعب الغرب دورا في تدمير قدر كبير من التراث الثقافي للعراق، وقطع رأس ثقافته الحية، المعاصرة. ومن مسؤوليتنا (في الغرب) أن ندعم إتاحة المزيد من الفرص من أجل الفنانين في العراق.
ما هي نصيحتك للفنانين الذين يعملون من داخل العراق؟
حاول أن تكون صادقا مع نفسك، حاول استكشاف قدر ما تستطيع من الأعمال الفنية الأخرى، واجعلها مصدر إلهام لك من دون أن تخضع لتأثيرها.
“