نديم كوفي (ولد 1962 في بغداد)، وهو فنان تشكيلي وفنان في فن الطباعة ومصمم جرافيك ومقيم حاليا في مدينة أوترخت ، هولندا. وغالبا ما تستند أعماله إلى الصور القديمة التي جمعها عبر السنوات و مواضيعه الرئيسة تتطرق إلى فقدان الذاكرة والمنفى. وفي لقاء مع مؤسسة رؤيا تحدث عن العناصر التي أثرت على عمله ومشاريعه القادمة ومشاعره المزدوجة تجاه الماضي الذي يعكسه في عمله. يوجد مقتطف صوتي من المقابلة باللغة العربية.

تعمل كثيرا على الصور القديمة، من صور العائلة إلى الإعلانات. ما هي الثيمات التي تستكشفها في عملك؟
أنا أحاول إحياء الذكريات باستخدام الصور العائلية، وخصوصاً تلك التي التُقِطت في العراق، حين لم نكن متورطين بالفتن والحروب. حتى البوسترات القديمة التي كانت تعلن عن الكوكاكولا والسيارات والأدوية تبدو جذابة بالنسبة لي لذلك السبب. المجموعة التي في حوزتي تشبه متحفاً صغيراً. وفي مشروع الحالي “حنين”، استقي من هذه الصور
الفوتوغرافية القديمة، لكأن الصور كسبت حياة جديدة خاصة بها.

ما هو أول عمل فني أعجبك؟
العمل كان صورة حوت يبتلع النبي يونس، مرسوما على ضريحه في الكوفة ] ضريحه الآخر في الموصل تعرض للتدمير ولم يزل كذلك[. أنا لم أكن يوما في البحر، وقد هزني كثيرا حجم الحوت، الذي بدا لي وكأنه سمكة عملاقة. وقد أخبِرتُ أن ذلك النبي كان إنساناً مقدساً، لذلك لم أفهم لمَ كان الحوت يريد ابتلاعه. ربما كنت في سن الخامسة أو السادسة.

كيف كان تأثيره على عملك الآن؟
أنا أحب رسوم الحكايات والأساطير، مثل حكاية النبي يونس. أنا مشدود إلى بساطتها. وفي عملي، أحب العودة إلى تلك الرسوم البدائية شبه الطفولية، وكأني لم أنشدّ أبدا من قبل إليها، وكأني لم أذهب يوما إلى مدرسة فنون. الرسوم أكثر وضوحا من غيرها، والأفكار أكثر نقاء والعقل أكثر حرية. لهذا السبب فإني منجذب إلى الماضي، للعودة إلى زمن البراءة والسعادة. التاريخ بشع، فهو مملوء بالشر الخالي من أي معنى، فأينما نلتفت – سواء إلى فيتنام أو العراق- نراه ، لكن دور الفنانين والعلماء ضمن هذه التاريخ جميل.

Images courtesy of the artist.

من سلسلة “يافا” بترخيص من الفنان

أي شخص أو تجربة كان لهما التأثير الأكبر على عملك؟
رفيق ناصر، أستاذي وصديقي لاحقا في معهد الفنون الجميلة ببغداد. وقد توفي هذه السنة. التقينا خلال أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وكان زمناً عصيباً في أوجّ حكم صدام حسين. كان رفيق يرأس قسم التصميم الغرافيكي، الذي صاغه وفق مدارس الفن الغربية. وكان أسلوبه في التدريس مختلفاً، مثلما هو الحال مع الطريقة التي يستعمل فيها أدوات الطبع. هو درس في الصين خلال ظروف استثنائية، وكان يعرف الكثير عن أدواتهم التقليدية وتقنياتهم في عمل الطباعة. وكان في الغالب يصبح صديقا جيدا مع طلابه. شعرت عند زيارتي للقسم وكأني أخرج من الواقع. أنا أحببتُ الحفر الزنكغرافي والطبع وكنت في الأستوديو كل اليوم. أردت أن يكون عملي فريدا وأصيلا.

أنت غادرت العراق عام 1991، هل كان الاستمرار في عملك كطبّاع سهلا عليك؟
أنا غادرت العراق مع زوجتي عام 1991. كان الجميع يغادرون. أنا ذهبت إلى عمّان، وكان رفيق هناك أيضا. اشتركنا في استوديو وأنا عملت مع منظمات ثقافية مثل دار الفنون ومؤسسة شومان. وكلانا قدم دروسا عن الحفر الزنكغرافي.

ما الذي دفعك للذهاب إلى هولندا؟
بعد العمل لأربع سنوات في عمّان، انتقلت إلى هولندا بمنحة من اليونسكو. وقد ساعدتني كثيرا. وقد عملتُ مصمما غرافيكياً، ولاحقا درست التصميم الغرافيكي في جامعة أوتريخت للفنون، بمدينة أوتريخت. وهذا غيّر أسلوبي في التصميم الغرافيكي. أصبح عملي أكثر محكوما بالمفاهيم، وأكثر انتماء للفن التشكيلي.

أنت غالبا ما تعمل مع الصور الفوتوغرافية التي تعود لطفولتك وعائلتك، هل أخذت الكثير منها عند مغادرتك العراق؟
نعم، حوالي 20 من صوري المفضلة. وكان والدي هو الذي التقط هذه الصور. أنا ما زلت احتفظ بكاميرته هنا معي.

هل تتذكر إحدى اللحظات حين التقطت واحدة من هذه الصور؟
هذا سؤال يثير الشجون! في أيام الجُمَع التي هي عطل نهاية الأسبوع في العراق، كان والداي يُلبِسان أطفالي وأنا ثيابا أنيقة، ثم نصعد إلى السطح لالتقاط الصور. وهذا الشيءكانت تقوم به الكثير من العوائل العراقية كل يوم جمعة، وعادة كان هذا الطقس جميلا في الشتاء. كان والدي يشتري بكرة فيلم بإثنتي عشرة صورة. وعند الالتفات إليها اكتشفتُ أنه كان ذا رؤية جمالية لهذه الصور، فأنا أستطيع معرفة ذلك من الزوايا التي استعملها، ومن تركيب الصور. وعلى الرغم من أنه لم يكن في هذه الصور الفوتوغرافية فيمكنك أن تشعر بوجوده.

ماذا كان والدك يقول عندما يلتقط الصور؟
لست متأكدا… لكنه كان سعيداً، ومسترخياً. كان يحب أيام الجمعة، وكان يقوم بالتسوق فيها ويذهب إلى الحلاق ويجعل مظهره جميلاً.

nedim-kufi-empty-home-2008-2009

من سلسلة “الغياب”، 2008- 2009، بترخيص من الفنان

Nedim-Kufi-541x400

هل تقوم بنفس الشيء مع عائلتك؟
لا، ليس ضروريا. مؤخراً، صورتُ فيديو لابنتي، كان عمرها خمس أو ست سنوات آنذاك، وكانت تتكلم عما إذا كانت تشعر بأنها هولندية أو عراقية. هي ولِدت في هولندا، وفي الفيديو كانت تمزج اللغة الهولندية مع العامية العراقية. كان مضحكاً وعميقا جداً!

أخبِرْني عن مشروع “ماكنة الحكمة”
“ماكنة الحكمة” هو موقع يولِّد بشكل عشوائي تشكيلات من الكلمات. نحن جمعنا 2000 كلمة كقاعدة بيانات لبرنامجنا. أنا تأثرتُ بـ “دادا”، والكلمات العشوائية. حين تأتي الكلمات بشكل عشوائي من الماكنة، تشعر بأنك بريء. وحين نستخدم الكلمات، فإن هناك بالتأكيد منطق محدد وفهم محدد وراءها، وهي ليست الحالة مع ماكنة ترمي بكلماتها بشكل عشوائي. أظن أن ذلك يجعلنا مدركين للعمليات اللاشعورية. وهذا مشروع بالتعاون تحقق مع طلال رفعت من ألمانيا. أنا أخذتُ اللغة والمصادر، وهو قام ببرمجتها ثم عملنا عليها، ساعة بعد ساعة. وقد عُرض في معهد العالم العربي بباريس، باللغتين الفرنسية والعربية. وخلال ذلك استمتعتُ وأنا أراقب الناس وهم منشغلون ومتفاعلون مع الماكنة.

هل عدت إلى العراق؟
ذهبت إلى بغداد هذه السنة لعشرة أيام، وأردتُ أن أؤسس مركزا للتصميم هناك، لكن ذلك لم يتحقق. فبغداد اليوم في حالة فوضى، ومختلفة تماما عما أتذكره عنها.