في شباط (فبراير) 2016، قام الفنان بلجيكي المولد فرانسيس أليس برحلة إلى العراق بتيسير من مؤسسة رؤيا، أقام خلالها ورشة عمل للفنانين في بغداد، وزار مخيمات للاجئين في شمال البلاد. أعقب ذلك بزيارة غير عادية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 للجبهة بصحبة كتيبة كردية أثناء عملية تحرير الموصل. وقد قام الفنان مؤخرا بتدشين عمله المركب الجديد المستوحى من تجربته في الموصل، وذلك في جناح العراق في الدورة السابعة والخمسين من بينالي فينيسيا.

هنا، جزء من حوار دار بين أليس وجلبي في أماكن متنوعة، وعلى الطريق من دهوك إلى أربيل. وقد نشر النص بالكامل في منشور يوزع في جناح العراق في البينالي.

IMG_0152

تمارا جلبي وفرانسيس أليس يتحدثان مع كاهن المعبد اليزيدي في لالش، أكثر المعابد تقديسا في الديانة اليزيدية. تصوير: آكام شيخ هادي/ مؤسسة رؤيا.

جلبي: هي يمكن للفن أن يكون عاملا محفزا على التعافي والتصالح؟ ما التأثير الذي تتخيله لكونك هنا؟

أليس: هذا ما أسأله لنفسي طوال الوقت!

جلبي: وأنا أسأل نفسي كل يوم.

أليس: أظن أنه لا سبيل للحصول على إجابة إلا من خلال الفعل. أحد أصدقائي في أفغانستان قال لي: “إذا فعلت فأنت مخطئ؛ وإذا لم تفعل فأنت مخطئ”. هذه هي المعادلة المأسوية التي يتحتم علينا التعامل معها. مع ذلك، فرأيي أن الأمر يستحق المحاولة دائما. الآن، هل يمكننا أن ندلي بشهادة عن هذا الحدث المأسوي بكتابة قصة خيالية، أو قصيدة، إذا تذكرنا مقولة ]الفيلسوف الألماني تيودور[ أدورنو (“كتابة الشعر بعد ]عمليات الإبادة التي ارتكبها النازي في[ أوشفتز هي عمل بربري”)؟ سنعرف أنه ليس ثمة ضمانة للنجاح. في المكسيك يقولون “ما تنجزه هو المهم”، لكن مجددا من الصعب أن يحدث الإنجاز حيث تتوقعين أن يحدث. وسأذكر لك مثالا محددا: عندما قمنا بمشروع تحريك أحد الكثبان الرملية في ليما مع بضع مئات من الطلاب مزودين بالمجارف… عندما وصلنا إلى قمة الكثيب، بعد تسلق صعب وطويل، أدركنا فجأة أننا نستطيع رؤية البحر من القمة على بعد بضعة أميال فحسب. هذا الطيف المفاجئ جعلنا نشعر بما يشبه الهلوسة الجماعية، وللحظة أنتج إحساسا بالمهابة. إحساس بالتواطؤ معا.

Outside the old Yezidi village of Sina.

أمام قرية سينا اليزيدية القديمة. تصوير: آكام شيخ هادي/ مؤسسة رؤيا.

Resident of Camp Shariya, the largest IDP camp in Iraq, shows Francis Alÿs a traditional clay oven. Photo: Akam Shex Hadi/Ruya Foundation.

أحد سكان مخيم شاريا، أكبر مخيمات “المشردين داخليا” في العراق، يعرض على فرانسيس أليس فرنا تقليديا من الطين. تصوير: آكام شيخ هادي/ مؤسسة رؤيا.

Outside a school at Camp Kabarto. Photo: Akam Shex Hadi/Ruya Foundation.

أمام مدرسة في مخيم كبرتو. تصوير: آكام شيخ هادي/ مؤسسة رؤيا.

ما المدينة التي أمامنا؟

جلبي: أربيل.

أليس: هل عدنا بالفعل؟

جلبي: هل هذا جزء من سياحة الأدرينالين كما تسميها؟

أليس: (ضاحكا) ربما. إنها تضعك في حالة إبداعية مواتية. يبدو أن عقلي يعمل بصورة أفضل في المواقف التي تتميز بالشك. ]الجنرال والمؤلف العسكري كارل فون[ كلاوزفيتز يقول إنه بالرغم من أن عقلنا يتوق دائما إلى الوضوح واليقين، فإن طبيعتنا كثيرا ما تجد الشك رائعا.
… الآن، حين أفكر في الأيام القليلة الماضية، أضحك عندما أتذكر كيف ظنني الناس صحفيا.

جلبي: هل سبق وظن الناس أنك صحفي؟

أليس: لا. ليس بحق.

جلبي: ألا يجعلك ذلك تفهم شيئا عن خبرة الناس هنا ونظرتهم للأمور؟ أمر مثير أنهم لا يستطيعون تخيلك إلا هكذا. أنت تحمل كاميرا. هذا أيضا يجعلك تعرف نوعية الناس الذين يأتون إلى هنا. إنهم لا يستطيعون تخيل فنانا.

أليس: نعم، لاحظت ذلك، وعندما أراجع الملاحظات التي دونتها، بكل هذه المشاهدات المتناثرة المكتوبة على عجل، أجدها بعيدة كل البعد عن الشروحات الفنية! ربما لو كنت جئت بحامل وفرشات رسم لاختلف الأمر. المرة القادمة.