ولدت الفنانة صقر سليمان سنة 1979 في السليمانية، وتعيش فيها، حيث تبدع في الرسم والأعمال المركبة. تم تكليفها بإنتاج عمل جديد لـ”العتيق”، وهو جناح العراق الوطني في بينالي فينسيا السابع والخمسين. يركز عملها على القضايا السياسية والدينية والاجتماعية في المجتمع العراقي، وعلى النساء بصفة خاصة. ويرتبط كثير من أعمال صقر سليمان بالمكان، ومن ذلك مشروعها الفني الأرضي في جبلي جويزة وآزمر المشرفة على السليمانية في 2014، ومعرض “جيلان” في فناء متحف أمنة سوركا [الأمن الأحمر Amna Suraka Museum]. من خلال حوارات عديدة مع الفنانة، رسمت مؤسسة رؤية خريطة للمواقع والأماكن التي تنتج الفنانة أعمالها فيها سواء أكانت في السليمانية أم حولها. والنتيجة هي علاقات صقر سليمان الشخصية مع هذه المواقع بما تثيره أيضا من ذكريات جمعية تخص النساء والحرب والآلام.

Mapping Sakar Sleman's installations and exhibitions in Sulaymaniya.

خريطة لأعمال ومعارض صقر سليمان في السليمانية

Screen Shot 2017-04-13 at 18.34.03

خريطة لأعمال ومعارض صقر سليمان في السليمانية

الطريق إلى جبل كويزة

land art2

أقيم عمل غير معنون لصقر سليمان عرف بـ”فن الأرض” (2014) على قارعة الطريق الجبلي المفضي إلى جبلي كويزة وازمر المشرفين على السليمانية. نقل رمز صغير مصنوع من الحجر والجص مباشرة على التراب إلى تل يواجه الطريق. تقول صقر سليمان إن “لهذه الجبال أهمية خاصة لنا في السليمانية، فالعائلات تذهب إليها في الإجازات الأسبوعية بالسيارات طلبا للنزهة. وهي المكان الذي اختبأت فيه قوات البشمرجة دفاعا عن أرضنا في الثمانينيات. وفي 2014 شعرنا أننا بحاجة إلى البشمرجة أكثر من ذي قبل”. تتذكر صقر إيقاف الكثيرين سياراتهم وهم في طريق صعودهم إلى الجبل لمشاهدة عملها الذي لم يكن شاهده حتى ذلك الحين غير الأمطار. كان إنتاج ذلك العمل الفني الأرضي المركب قد استوجب جهدا جماعيا. وبرغم أن الرمز يبدو صغيرا وبسيطا من البعد، إلا أن عرضه في الحقيقة يبلغ العديد من الأمتار. تقول صقر سليمان “أتاح لي الابتعاد عن الاستديو والخروج إلى الطريق الجبلي أن أنتج عملا ضخما وأن أستعمل هذه الخامات الأرضية التي يلهو بها الأطفال”. تجربة إبداع ذلك العمل أعادتها إلى ذكرى الطفولة، حينما كانت هي وأختها تقيمان بيوتا صغيرة من التراب والحجارة. تقول صقر سليمان “حينما ألمس التراب والحجارة والصخور، أشعر أنني أرجع إلى أصولي الطبيعية”.

land art 5 land art 4

متحف أمنة سوركا بالسليمانية

Two Generations, 2015 at the Amna Suraka. Courtesy of the artist.

جيلان، 2015، في أمنة سوركا. بإذن من الفنانة

kurdistan-amna-suraka-prison-1024x680

أمنة سوركا هي المقر الشمالي السابق لجهاز المخابرات العراقي حيث تعرَّض آلاف الأكراد للتعذيب والقتل خلال حملات الأنفال في الثمانينيات. الاسم يعني “الأمن الأحمر”، والمبنى تحول إلى متحف في عام 2003. تقول صقر سليمان”حينما كنت طفلة كان يحكى الكثير من قصص الرعب عن أمنة سوركا، زرت المكان مع أسرتي للمرة الأولى في منتصف التسعينيات. كان عمري 15 سنة في ذلك الوقت، وكنت في حالة رعب. ولم تزل القشعريرة تنتابني كلما رأيت آثار الرصاص هناك”. أول عمل مركب لصقر سليمان في فناء المتحف هو “جيلان” (2014) وهو مهدى إلى النساء اللاتي تعرضن للاعتقال والاغتصاب في أمنة سوركا. تقول صقر سليمان “في الغالب كان لهؤلاء النساء أب في المعتقل أو أخ أو زوج، فكان يُشتبه فيهن أيضا. كثير منهن أنجبن بسبب الاغتصاب. فكانت عائلاتهن ترفضهن بعد خروجهن من المعتقل” رسمت الفنانة أولى أسماء هؤلاء النساء السجينات بالآجر الذي وضعته على أرض فناء المتحف. والتقت صقر سليمان بسجينة سابقة في مركز اليوجا الخاص بها. تحكي قائلة “لم نتكلم قط عن تجربتها، لكن كان بوسعي أن أرى الألم في عينيها. خصصت لها أحد أعمال الآجر بالمعرض، لكنني لا أعرف إن كانت جاءت وشاهدته”.

6

يستضيف أمنة سوركا الآن معارض الفنانين المحليين، ومن ذلك معرض صقر سليمان المنفرد الأخير “عتمة ونور” (2017)، وهو عبارة عن سلسلة رسومات ومنحوتات وفنون أرضية جديدة. نُفِّذت الأعمال باستخدام خامات بناء أرضية مثل الجص والفحم والحجر. تقول سليمان “هذه هي الخامات التي نستعملها لإقامة بيت. أرسم وأبني بهذه الخامات” خلافا لـ”جيلان”، السلسلة أكثر حميمية وتأملا للذات”، تقول سليمان “في الفترة الأخيرة، كنت أستكشف علاقاتي بالمجتمع، وبزوجي، وبأبنائي. بين النور والظلام، بين الأسود والأبيض، يكمن الأمل. ولا أستعمل اللون، لأنني لا أشعر فيه بأي عاطفة”.

مخيم أربات للاجئين

Residents of the Arbat refugee camp participate in the making of Mass Migration (2013). Courtesy of the artist.

المقيمون بمخيم اللاجئين في أربات يشاركون في صناعة “هجرة جماعية” (2013). بإذن من الفنانة

Residents of the Arbat refugee camp participate in the making of Mass Migration (2013). Courtesy of the artist.

صقر سليمان تضيف مواطئ قدميها في عمل “هجرة جماعية” المركب. بإذن من الفنانة

في 2013، أبدعت صقر سليمان عملها المركب “هجرة جماعية” داخل مخيم أربات الذي يؤوي 8000 لاجئ مسجل من سوريا. تتذكر صقر سليمان تدفق السوريين الذين توافدوا على العراق بعد 2011 قائلة “كنا نرى اللاجئين يسيرون في السليمانية” ولكي تمثل الرحلة التي قطعوها سيرا على الأقدام، طلبت من اللاجئين أن يطبعوا مواطئ أقدامهم على آجر أحمر لين. توضح أنه “لم يكن مسموحا للاجئين في ذلك الوقت بمغادرة المخيم، ففعلنا كل شيء في الموقع، وساعدنا المقيمون في المخيم في إنتاج الصلصال، ونقل الآجر، وإبداع العمل. أحد المقيمين كان صانع آجر في سوريا” وعرض العمل للمرة الأولى في المخيم، ثم نقل بعد ذلك إلى جاليري سردم في السليمانية

شارع سالم في السليمانية

Sakar Sleman installs Yezidi Women on Salim Street in Sulaymaniya for International Women's Day 2015.

صقر سليمان تنفذ عمل اليزيديات في شارع سالم بالسليمانية احتفالا بيوم المرأة العالمي 2015

A white fabric bundle commemorating the Yezidi Women who were killed and assaulted by ISIS. Courtesy of the artist.

كيس من نسيج أبيض في ذكرى اليزيديات من ضحايا داعش. بإذن من الفنانة

اليزيديات (2015) عمل مركب يحيي ذكرى اليزيديات اللاتي قتلهن واغتصبهن أعضاء جماعة داعش. عرض في اليوم العالمي للمرأة بميدان عام في شارع سالم في وسط مدينة السليمانية. تقول صقر سليمان إنه “كان من المهم تنفيذ العمل في فضاء مزدحم بسبب طبيعة الموضوع. كنت أريد أن أمس قلوب الناس، وليس مجرد جمهور محدود لجاليري فني. لا ينبغي أن تقاسي امرأة ما قاسته تلك النساء. وكلنا سواء، بغض النظر عن أماكننا”. أعادت الفنانة إنتاج الأكياس القماشية التي تستعملها الكرديات في القرى لتخزين أغراضهن بحيث يسهل حملها عندما يغادرن البيوت “سواء كن خارجات لقضاء سويعات قليلة أم لقضاء أيام وأسابيع، كن يصطحبن تلك الأكياس معهن”. واتباعا لتراث ارتداء اليزيديات اللون الأبيض، جعلت صقر سليمان هذه الأكياس من أقمشة بيضاء اشترتها من السوق المحلي.

معرض سردم بالسليمانية

Sakar Sleman, 2007. Courtesy of the artist.

صقر سليمان، 2007. بإذن من الفنانة

في 2008 عرضت الفنانة سلسلة من الرسومات عن الأطفال في جاليري سردم بالسليمانية. هذه الرسومات الحميمية العميقة ـ على حد تعبير المؤرخة الفنية كاليوبي مينوداكي في ما كتبته لكتالوج “العتيق”ـ عبرت عن “آلام الميلاد” بـ “لغة الجسد البدائية”. استعملت الفنانة “معجما من الدوائر الكاملة والناقصة” إبرازا لـ”الغربة الجسدية، والتكاثر، والتمزق”. تقول صقر سليمان إنه “كان واضحا للجميع ما الذي تتناوله الأعمال، حتى أصدقائي الذين لا علاقة لهم بالفن فهموها وتعاطفوا معها”. الآلام الجسدية التي تعانيها النساء في الولادة مسألة لا يسهل الكلام عنها في السليمانية. تقول صقر سليمان إن “الشاعرة شيرين كاف هنأتني، قالت لي: أحسنت صنعا، لم أستطع يوما أن أتكلم علنا عن آلام النساء بهذه الطريقة”. اختارت سليمان أن تعرض في الجاليري لأسباب عملية، إذ “ما كان الأمان ليتوافر للوحات إذا ما عُلِّقت في مكان مفتوح”. غير أن فضاء الجاليري المغلق يبدو أيضا ملائما للتجربة شديدة الخصوصية والحميمية برغم كونها إنسانية عالمية.