وقع الاختيار على الفنان سلام عطا صبري، المقيم في بغداد، ليعرض سلسلة رسومه المعنونة “رسائل من بغداد” (2005-2015) في النسخة الأولى من “ترينالي كاتماندو”، في العاصمة النيبالية. ويعد الترينالي معرضا جديدا رئيسيا للفن في نيبال، يجمع الفنانين الدوليين والنيباليين في أماكن عرض معاصرة وتاريخية في أرجاء مدينتي “كاتماندو” و”باتان”. وتحمل نسخة هذا العام تحمل اسم: “المدينة، مَشغلي/ المدينة، حياتي” The City, My Studio/ The City, My Life وقد دعا المدير الفني للترينالي “فيليب فان كاوتيرين”، المدير الفني لمتحف “سماك” للفن المعاصر في مدينة “خنت” البلجيكية، عددا من الفنانين الذين تتناول أعمالهم المدينة بوصفها “حافزا… مختبرا لتوليد الإيماءات، والأفعال، والأفكار، والأعمال الفنية”.
وسوف تعرض رسوم صبري في حوار مع أعمال “سومان” SC Suman، الفنان ومصمم النسيج النيبالي، في المقر التاريخي لمتحف “تاراجون” بكاتماندو.
“رسائل من بغداد” هي مذكرات بصرية تضم أكثر من 150 رسما عرضت لأول مرة في معرض “الجمال غير المرئي”، الجناح العراقي في الدورة السادسة والخمسين من بينالي فينيسيا. وأنتج الفنان هذه الرسوم لدى عودته إلى بغداد مع أسرته عام 2005. وتعد السلسلة نسيجا يجمع بين عناصر من تاريخ الفن الحديث والقديم في العراق، إلى جانب رحلة الفنان وأسفاره الشخصية. وقد وصف “فان كاوتيرين”، الذي أشرف على معرض “الجمال غير المرئي” في 2015، الرسوم بأنها “حواش استبطانية تتصادم فيها الظروف المأسوية لبلد مع الدراما الشخصية لفنان يسعى إلى إشباع حاجته لإنتاج فن”.
تتناول أعمال صبري بشكل مباشر خبرة العودة إلى بلد شهد تغيرا جذريا بسبب الصراع. وفي سلسلة حديثة من الرسوم بعنوان “حقول قتل النخيل” (2016)، عهدت إليه مؤسسة رؤيا بإنتاجها، يبرز الفنان الدمار الذي أصاب بساتين النخيل العراقية، كنتيجة لتغير الطقس، والتمدن، والصراع. ومنذ عرض أعماله مع رؤيا في فينيسيا، دُعي صبري لعرض أعماله في معارض جماعية كبرى من بينها Bottom Line في متحف “سماك” بمدينة خنت البلجيكية (2015)، و”مهرجان ألترناتيفا” (2016) بمدينة غدانسك البولندية، وكذلك في الدورة الخامسة من “بينالي تشانكالي” الدولي بمدينة “تشانكالي” التركية (2016).
وسوف تعرض رسوم صبري إلى جانب لوحات تصوير وأعمال على الورق من إنتاج الفنان النيبالي “سومان”، وهو فنان ومصمم نسيج علم نفسه بنفسه، كما أنه مذيع شهير للراديو في مدينة “بيراتناجر” في نيبال، وتتناول أعماله موتيفات وتيمات شعب الـ”ميثيلا” الذي يعيش في أقليم “تيراي” جنوب شرق نيبال. وقد كانت الرسوم التقليدية جزءا لا يتجزأ من حياة نساء الـ”ميثيلا” المنزلية اليومية، إذ كن يرسمن على جدران البيوت رموزا تحميهم من الشرور، ويجبلن من روث الأبقار والطين والصلصال تماثيل للربات الهندوسية لأغراض العبادة.
تعلم سومان التصوير حين كان يشاهد جدته تنخرط في تلك الطقوس. وتتناول أعماله، سواء التي تستخدم الورق أو الطين والصلصال، لقطات من حياة السكان الأصليين لإقليم “تيراي”، مستخدما المناظر الطبيعية والمعارف القبلية بطريقة تعكس أيضا قضايا معاصرة. وتصور قطعته الفنية الثلاثية المسماة “تعمير نيبال”، المعروضة في الترينالي، الآثار المدمرة للزلزال الذي ضرب نيبال عام 2015، وكذا جهود عمال الإغاثة الإنسانية.
يتشابه الفنانان في لجوئهما إلى الحضارات القديمة، ويوضح “فان كاوتيرين” أوجه التشابه في طرق الرسم وصناعة العلامات لدى كل منهما، فيقول: “في أعمال كلا الفنانين تجد استخداما لكامل مساحة الورقة، بالكتابة والرسم والتصوير. هذا الالتزام باستخدام الورق حتى النهاية يمكن وصفه بـ ‘رهاب الفراغ ‘. سلام عطا صبري يجسد خبراته والظروف الحياتية في بغداد ويمنحها تعبيرا حرا. بينما يستخدم ‘ سومان ‘ الأعمال الفنية التقليدية كإطار يمنح من خلاله صوتًا لعالم داخلي يسكنه”.
تعرض الأعمال في متحف “تاراجون” في منطقة “بوداناث” في كاتماندو، وهو فندق سابق صممه في السبعينيات المعماري النمساوي كارل بروشا Carl Pruscha، استُخدم كملتقى للباحثين والفنانين الأجانب حتى إغلاقه عام 1991. وفي 2014، تم تجديد المبنى وتحويله إلى متحف ومركز ثقافي. وهو يستضيف مجموعة من الخرائط، والصور الفوتوغرافية والمخططات الأثرية التي رسمها أول مستشارين أجانب في مجال المعمار وصلوا إلى كاتماندو في السبعينيات، إضافة إلى معرض للفنون المعاصرة.
تتولى مؤسسة “سدهارتا” للفنون تنظيم الترينالي والإشراف عليه، ويستمر في الفترة من 24 آذار (مارس) وحتى 9 نيسان (أبريل).