عقدت الخبيرة الفنية ومنظمة المعارض أنيتا شيلاك ورشة عمل للفنانين في بغداد بالتعاون مع مؤسسة رؤيا لمدة أربعة أيام بهدف تطوير لغة فنية لدى الفنانين تكون أقرب إلى الحياة اليومية، بحيث يتسنى لهم الانخراط في الممارسات الفنية المعاصرة بينما ينتجون أعمالهم الفنية المتصلة بسياقهم المحلي.
تقول أنيتا شيلاك إن “للغة الفنية اليومية سمة فريدة. فهي تنبع ـ مثلما الحال في العمارة ـ من الضرورة، ومن الخامات المتاحة. والسؤال الذي نحاول أن نجيب عليه هو: ما الظرف الذي ينطلق منه الفنانون؟ قد تكون الدوافع لدى البعض سياسية أو اجتماعية، ولكن الخامات الملموسة هي القادرة بالنسبة لآخرين على توجيه الفنان في مسار بصري شائق”.
“لقد ظهر الفن المفاهيمي قبل نحو ستين عاما، لكن المشهد الفني في العراق لا يزال متوقفا عند تراث الحداثة الأوربية” حسبما تقول أنيتا شيلاك التي بدأت العمل مع فنانين في المنطقة الكردية في العراق منذ ما يزيد على عشر سنوات، مضيفة أن “التحدي يتمثل في تحطيم الحاجز، مع العثور على لغة يومية للفن العراقي المعاصر”.
كان المشارون ثمانية وعشرين فنانا وطالبا من بغداد والسليمانية والحلة واربيل. طلبت أنيتا شيلاك من المشاركين قبل الورشة أن يحضر كلٌّ منهم صورا فوتغرافية لمكان في العراق يمثل أهمية لهم في حياتهم. قد يكون المكان لا يزال قائما اليوم، أو تعرّض للتلف بسبب قوات الحرب، أو التحديث، أو التطوير العقاري. “وكان الغرض من تلك الصور” حسبما توضح أنيتا شيلاك “هو أن تكون أساسا لحوار مطوَّل أجراه الفنانون حول فهمهم البصري للعراق. فما لدينا من صور ممثلة لحياتنا غالبا ما يختلف عن الحياة اليومية الفعلية التي نعيشها”.
بعد جلسات عديدة من الرسم والنقاش، انقسم المشاركون إلى مجموعات بهدف تكوين أغراض ثلاثية الأبعاد بناء على صورة من الصور التي أنتجت خلال الورشة. وانصب التركيز على العمل الجماعي النقدي: “فقد عمل الفنانون معا وجمعوا بين تحليلهم للصورة بهدف تكوين غرض ثلاثي الأبعاد”. واستعمل الفنانون خامات متوفرة لديهم مباشرة في بغداد، فجاء أحد الأغراض على سبيل المثال مصنوعا بالكامل من علب الثقاب، ثم طوِّرت هذه الأغراض لاحقا في أربعة أعمال نحتية ومركَّبة.
المسار الثاني في الورشة كان مخصصا للأداء والفن الأدائي. وانقسم المشاركون إلى مجموعة تألفت كلٌّ منها من سبعة مشاركين لتكوين مشهدين ورقصات محورها الحياة اليومية في العراق. وتراوحت المشاهد بين عبور نقاط تفتيش وأبراج مراقبة، إلى التأثير المتنامي للإعلام الاجتماعي على التعاملات اليومية.
واتفق الفنانون أن يواصلوا العمل علي هذه النماذج والأعمال الأدائية معا خارج الورشة. وسوف تعرض المنتجات النهائية في بناية “كولبنكيان” ببغداد في أكتوبر 2017. وقد قضى الفنانون المساء الأخير في الورشة في التخطيط للمعرض مع أنيتا شيلاك ومدراء مؤسسة رؤيا.
وبرغم أن أنيتا شيلاك تعمل مع فنانين في المنطقة الكردية من العراق منذ أكثر من عشر سنوات، فهذه هي رحلتها الثانية إلى بغداد مع مؤسسة رؤيا. وهو ما تفسره أنيتا شيلاك بقولها إن “العمل في السليمانية أسهل قليلا، فالفنانون في المنطقة الكردية ليسوا على هذا القدر من الانعزال. فالمحاذير أقل على زوار المنطقة، وعدد الفنانين المحليين الذين يسافرون إلى الخارج أكبر. وليس هذا هو الحال في بغداد، وإن تكن للمدينة نقاط قوة أخرى. فبسبب طبيعة تعليم الفنون على سبيل المثال، استطاع الفنانون هنا أن يكتسبوا مهارات وقدرات حرفية هائلة يمكنهم الآن تطبيقها على أعمال أكثر مفاهيمية”.