افتتح متحف البصرة أول معارضه في سبتمبر 2016 بعد نحو عشرين عاما من التوقف عن النشاط. ويمثل افتتاح المعرض الجديد، الذي يضمن نحو 440 قطعة أثرية عثر عليها في مواقع مختلفة بالبصرة، أول علامة بارزة في مشروع عمره ثمانية أعوام يهدف لإحياء المتحف، بدعم من الجيش البريطاني، و”جمعية أصدقاء متحف البصرة” في الولايات المتحدة، ووزارة الثقافة العراقية، ومجلس الدولة للآثار.
ويحتفي المتحف الجديد بالتراث الثقافي الثري للبصرة وجنوب العراق. وتقول خبيرة الآثار الدكتورة لمياء الجيلاني، التي شاركت في اختيار القطع الفنية للمعرض، بالاشتراك مع الدكتور جون كورتس، الأمين السابق لقسم الشرق الأوسط في المتحف البريطاني، وقحطان العبيد، مدير المتحف: “نحن ننسى أهمية مدينة البصرة للعراق. إنها بوابة العراق، وأهم موانئ البلاد”. والدكتورة الجيلاني ومعها الدكتور كورتس من بين أمناء “جمعية أصدقاء متحف البصرة”، التي تأسست عام 2010 لتوفير الدعم المالي والإداري والفني للمتحف.

The Basra Museum's first gallery includes over 440 objects excavated from sites in Basra and Southern Iraq. (c) UNAMI PIO.

أول معرض في متحف البصرة يضم أكثر من 440 قطعة أثرية عثر عليها في مواقع مختلفة من UNAMI PIO (c) البصرةـ

وتضم المعروضات مسكوكات نقدية من عصور متعددة، من الفارسي وحتى الإسلامي، أي من عام 300 قبل الميلاد وحتى القرن الثامن عشر. تقول الجيلاني “المثير للاهتمام في هذه العملات أنها جميعا قد سُكَّت في البصرة. وبذلك تكشف مدى الأهمية التي كانت تحظى بها المدينة في العصور الوسطى تحديدا، أي بالنسبة للعباسيين. أول ما يراه الزائر عندما يدخل المتحف هي خزانة العملات الزجاجية. إنها تمثل مفتاحا لتاريخ العراق”.
كذلك فإن القطع الفنية المكتشفة خلال حملات التنقيب في عقدي السبعينيات والثمانينيات في مواقع مدينة البصرة القديمة، والمعروفة حاليا ببلدة “الزبير”، تشكل جزءا من المعروضات. تقول الجيلاني “لقد خاضت البصرة الكثير من الحروب، وقاتل الكثيرون من أجل المدينة. في العراق لدينا تعبير شائع يقول ‘من بعد خراب البصرة’، لذلك لا نجد الكثير من الآثار في عمليات التنقيب”.
المتحف الذي اختير أحد قصور صدام السابقة موقعا له، سيضم خمس قاعات عرض. وسوف يخصص جناحا لآثار البصرة، وثلاث قاعات للحضارات السومرية والبابلية والأشورية، بينما ستخصص القاعة الخامسة لاستضافة المعارض المؤقتة.
تقول الجيلاني “هذا أول متحف عراقي يخصص قاعة كاملة لمدينة واحدة. نحن نركز على المقتنيات المحلية، وهذا له أبعاد دولية أيضا، فالمدينة نفسها مهمة على الصعيد الدولي. على سبيل المثال، كثيرا ما يُنسب استخدام الكوبلت الأزرق كطلاء في صناعة الفخار إلى فن الخزف الصيني، لكن هذه التقنية في الحقيقة ترجع في أصلها إلى البصرة، وقد استعارها الصينيون بعد ذلك”.

حضر افتتاح المتحف أكثر من ثلاثمائة شخص، وهو ما يؤكد على احتياج الناس إلى مؤسسة ثقافية مثل هذه في البصرة. تقول كلير بيبنجتون، وهي واحدة من أمناء “جمعية أصدقاء متحف البصرة”: “شعرنا بالرضا حين رأينا هذا التجاوب الرائع. كان هناك مسؤولون محليون، ونواب برلمان، ووزراء، والإعلام، بالإضافة إلى شبان صغار. كذلك لاحظنا حضور أكثر من مائتي زائر للمتحف في اليوم التالي”. وقد أعقب الافتتاح مؤتمر مدته يومان عن تاريخ البصرة، وثقافتها، وتراثها، نظمته إليانور روبنسن من “المعهد البريطاني لدراسة العراق”.
كان متحف البصرة الأصلي قد تعرض للنهب سنة 1991، أثناء حرب الخليج الأولى. وما تبقى من مقتنيات المتحف نقل لاحقا إلى بغداد لحمايته. ولا تزال الكثير من تلك المقتنيات في متحف العاصمة.

(c) UNAMI PIO.

(c) UNAMI PIO.

وبدأ التخطيط لإعادة افتتاح المتحف عام 2008، بعدما تواصل الجيش البريطاني مع المتحف البريطاني والدكتور كورتس، محددا قصر صدام القديم المطل على البحيرة في البصرة كموقع يمكن أن يستضيف مجموعة المقتنيات الأثرية، ويعمل كموقع ثقافي كبير في المدينة. أما البناية الأصلية للمتحف، وهي بيت على الطراز التقليدي في الجزء القديم من البصرة، فقد اعتبرت غير مناسبة للغرض، بسبب صغر حجمها وتردي حالتها.
وقد تحدث مدير متحف البصرة، قحطان العبيد، عن أهمية تحويل قصر صدام القديم إلى متحف، وقال للإذاعة الوطنية الأمريكية (إن بي آر): “إننا هكذا نحول قصرا مليئا بالذكريات السيئة للشعب العراقي إلى مساحة للثقافة والحضارة”. وقد تم ترميم القصر، الذي كان في حالة إهمال، لكي يتفق مع معايير المتاحف الدولية.
تقول بيبنجتون: “من وجهة نظر ‘الأمناء’ هي فرصة للاحتفاء بمنطقة لها تراث ثقافي ثري، وحفظ هذا التراث. لقد عملنا معا بهدف الوصول إلى معايير المتاحف الدولية. وقد شارك الدكتور جون كورتس والدكتورة لمياء الجيلاني في انتقاء المعروضات، وهما يتمتعان باحترام واسع ويمتلكان خبرة كبيرة. هذان الخبيران عملا معا على المقتنيات للتأكد من الالتزام بأعلى معايير العرض والحفظ المقررة في المتاحف”.
كذلك افتتح المتحف ببرنامج عام، يتضمن ورشا لصناعة الفخار، والخط العربي، وبرامج تدريبية تحت إشراف المتحف البريطاني. تقول بيبنجتون “تجاوب الشبان الصغار وطلاب المدينة الذي حضروا الافتتاح كان مشجعا. وقد عبر لي بعضهم عن مدى حماسه للمتحف الجديد وكيف أن يوم الافتتاح كان يوما لا ينسى بالنسبة له”.