دعت مؤسسة رؤيا الفنان فرانسيس أليس إلى العراق. وبعد أن نظمت له ورشة عمل مع فنانين وطلاب فن في بغداد، ذهبت تمارا جلبي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة رؤيا، مع أليس في رحلة بحثية إلى ضريح لالش الأيزيدي وإلى مخيمين للاجئين في محافظة دهوك، في منطقة الحكم الذاتي الكردستاني في العراق. كان الغرض من هذه الزيارة أن يستكشف أليس المخيمات ومن ثم إمكانية الخروج بمشروع يخدم المخيم وسكانه، بالتعاون مع مؤسسة رؤيا.
تأتي هذه الزيارة في سياق المساعي البحثية والتمهيدية لأحدث برامج رؤيا، “الإبداع من أجل البقاء”، وهو سلسلة من ورش العمل والمشروعات الفنية المتواصلة للاجئين الذين يعيشون في مخيمات شمال العراق. وفي هذا المشروع الفني المتفرد الذي يتجاوب مع الأزمة الإنسانية، تهدف رؤيا إلى تشجيع الإبداع في بيئة مستعصية، والمساعدة في الحفاظ على ثقافات مهددة بالاندثار، ومعالجة الصدمات النفسية الناتجة عن الحروب. وسوف توجه رؤيا دعوات لفنانين عالميين، مثل أليس، الذي تقوم أعماله على مشاركة المجتمعات المحلية والأطفال، وكذا فنانين محليين داخل العراق، من أجل التعاون في هذا المشروع. كذلك تستشير رؤيا نشطاء، ومثقفين، ومحامين حقوقيين ممن يعملون في المنطقة والمخيمات من أجل الإعداد للمشروع.
في معبد لالش، أحد أبرز الأماكن الأيزيدية المقدسة في قرية لالش الواقعة في واد جبلي، التقى أليس وجلبي مع الكاهن الأكبر الذي اصطحبهما في جولة في المعبد، والضريح، والمناطق المحيطة. وتحدثوا معا عن الديانة الأيزيدية والمعمار الأيزيدي. ثم زاروا بضعا من القرى الأيزيدية التي لا تزال قائمة بالجوار للاطلاع على المعمار المحلي.
كذلك قام أليس وجلبي بزيارة اثنين من مخيمات اللاجئين خارج مدينة دهوك. الأول هو مخيم “كبرتو” الذي يستضيف 5000 عائلة من مدينة سنجار، التي حاصرتها داعش في أغسطس 2014، ما تسبب في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العراق في ذلك العام. وتشكل الطائفة الأيزيدية معظم سكان المخيم، لكنه يضم أيضا مسلمين أكراد ومسيحيين أشوريين من سنجار. أما مخيم “شاريا” فيستضيف 3300 أسرة أيزيدية (17000 شخص) من سنجار، ظلت رؤيا تتعاون معهم وتزورهم بانتظام.
على مدار يومين، قام أليس بالتقاط الكثير من الصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو لكل زيارة بغرض تجميع الأفكار. كان يحاول أن يرى أين يعيش الناس وكيف يعيشون، وتصميم المخيم، والساحات العمومية. ثمة تناقض صارخ بين الخيام المؤقتة التي يستخدمها الناس كمساكن لهم، وبين الأفران الطينية المصنوعة يدويا والمباني الصغيرة التي تشكل انعكاسا للبناء التقليدي في المنطقة والشائعة أيضا في القرى المجاورة. كذلك صور أليس ألعاب الأطفال المحلية في المخيم، مثل “البلي” و”الحجلة”. وجدير بالذكر أن الفنان أنتج منذ عام 1999 أفلاما عن ألعاب الأطفال في المكسيك، وأفغانستان، وبلجيكا، والأردن، من بين بلدان أخرى في شتى أرجاء العالم، مسلطا الضوء على عالمية تلك الألعاب في البيئات المختلفة اجتماعيا وسياسيا والمتقاربة ثقافيا.
وقد زارت مؤسسة رؤيا مخيم “شاريا” للمرة الأولى في ديسمبر 2014، حيث وفرت خامات رسم للاجئين في مبادرتها المسماة “أثر من أجل البقاء” بالتعاون مع الفنان آي ويوي، الذي تعاملت أعماله السابقة مع الكوارث الإنسانية في بلده الصين. ومن وقتها، ظل هناك تحولا ملحوظا في ظروف الحياة والعادات اليومية للاجئين الذين يسكنون المخيمات. فبرغم أنهم لا يزالون في انتظار العودة إلى ديارهم، فقد أصبحوا أكثر اعتيادا على الفضاء الذي يسكنونه، إذ طوروا عادات منتظمة للتعامل مع الظروف القاسية في المخيمات العالقين فيها.
من جهة أخرى، عقد أليس وجلبي اجتماعات مع نشطاء وفنانين ومثقفين محليين لمناقشة الخطر الذي يهدد ثقافة المجتمع الأيزيدي ووجوده منذ هجمات داعش في 2014. في مخيم “شاريا”، التقيا بمجموعة من النشطاء الشبان والشابات الذين يعيشون في المخيم، الذين يساعدون في شؤون الحياة اليومية، ويديرون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل دعم مخيمهم. هذه المجموعة لم تتشكل إلا مؤخرا، بعد أن اعتاد أفرادها على الحياة في المخيمات. وتسعى مؤسسة رؤيا لاستكشاف إمكانيات التعاون معهم على مشروعات إبداعية مستقبلية، تقوم المجموعة على تنظيمها وإدارتها في المخيمات بنفسها.
لطالما دفعت الكثير من مجموعات ونشطاء حقوق الإنسان بأن العنف الذي واجهه الأيزيديين في 2014 كان تطهيرا عرقيا. وعندما كان أليس وجلبي في دهوك، التقيا مع اثنين من المثقفين في جامعة دهوك، الدكتور ناظم الزاوي، أستاذ العلوم السياسية، والدكتور سعيد خديدا علو الذي يوثق أوجه مختلفة من الثقافة الأيزيدية مثل الأغاني التقليدية، من أجل حفظها في زمن يسوده الشك. وهو يوثق أيضا شهادات فردية مباشرة عن حالات الاغتصاب يقصها الناجون من داعش، كدليل على مدى انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها المجموعات المسلحة. كذلك توجها بزيارة إلى الفنان عمار خضير من قرية بعشيقة، التي استولت عليها داعش. وهو يعمل أيضا على مجموعة من اللوحات التي تصور المذابح في سنجار.
في وقت لاحق من العام الجاري، ستوف تعلن رؤيا عن برنامجها “الإبداع من أجل البقاء”، وهو سلسلة من الورش الفنية والمشروعات في مخيمات شمال العراق.