ذا ناشيونال

أجنحة بلدان الشرق الأوسط تتناول تيمات الحرب والتشريد والهوية في بينالي فينيسيا

دافيد داركي

9 مايو 2015

Screen Shot 2015-06-15 at 13.59.38

أحد الرسوم التي أبدعها الفنان العراقي سلام عطا صبري قبل ثلاث سنوات يتكون من صفحة واحدة مقسمة إلى مربعات، وتلك بدورها تنقسم إلى عشرات المربعات الأصغر. داخل المربعات تظهر وجوه، تنظر إلى الأمام، ومعالم مألوفة، وواجهات مباني. هذه الرسوم داخل الرسوم ليست تصويرا نمطيا لبغداد المذعورة تحت الحصار، وإنما لسكان بغداد المحصورين داخل تلك المربعات، والذين يحدقون إلى الخارج بلهفة وبعيون حالمة، ما يذكرنا بتلك المشاهد التي تخيلها الفنان الألماني بول كلي.

رسوم فنان السيراميك العراقي (63 عاما)، الذي تلقى تعليمه في العراق وكاليفورنيا، تغطي اثنين من جدران قصر “كا دندولو” الذي شيد في القرن السادس عشر، والمطل على الـ”جراند كنال” في فينيسيا. هذه الرسوم التي لم يسبق عرضها للجمهور تمثل إحدى تجليات الجناح العراقي في بينالي فينيسا.

ويوحي عنوان المعرض، “الجمال الغير المرئي”، بثراء الأعمال الفنية المعروضة، التي أنتجها فنانون من الشرق الأوسط، وإلى حقيقة أن جانبا كبيرا من هذه الأعمال الفنية لا يشاهده أحد. وتماشيا مع تيمة “الخفاء”، يعرض البرنامج أيضا أفلاما من إنتاج مجموعة “أبو نضارة” الفنية السورية، التي اختارت أن تحيط نفسها بالغموض.

وقال البلجيكي فيليب فان كاوتيرن، الخبير الفني للجناح العراقي، ومدير متحف “سماك” للفن المعاصر في مدينة خنت البلجيكية: “أردت أن أَبسط فكرة المعاصرة برمتها. في العراق، لا توجد مؤسسات، لا يوجد ما هو معروف في الغرب كخبير / مدير فني للمعارض، بل ويكاد لا يوجد مشهد حقيقي للمعارض الفنية”. كان فان كاوتيرن يتكلم وهو يتجول بين قاعات تعرض صورا فوتوغرافية حداثية من منتصف الستينيات، من تصوير فنان عراقي تجاوز الثمانين من عمره، وصورا لمساجين تعرضوا للتعذيب التقطها لاجئ عراقي في الثلاثين من عمره، يعيش الآن في تركيا. ويعرض الجناح أيضا لقطات فيديو أنتجتها رباب غزول، العراقية التي نشأت في ويلز في المملكة المتحدة.

لقد كان التشريد (الطرد من المكان) عاملا قويا في قيمته الفنية شأنه شأن المكان

أما الجناح الإيراني الرسمي، الذي يشارك فيه فنانون يقيمون داخل إيران وخارجها، فيقع في منطقة نائية تسكنها الطبقة العاملة حيث يعلق السكان ملابسهم على حبال الغسيل. عندما فُتحت الأبواب، لم يكن الجناح جاهزا بعد. مع ذلك فقد استطاع الإيرانيون، من طهران ومن الشتات، العثور على هذه المجموعة من قاعات العرض الصناعية غير المكتملة، كما استطاعوا العثور على بعضهم البعض. وتراوحت الأعمال الفنية بين مشاهد من الحياة الاجتماعية صورها الفنان مهرداد محب علي مستخدما لوحة ألوان الفنان الأمريكي إدوارد هوبر، وبين تصوير لفخامة البرلمان الإيراني من الداخل بفرشاة الفنان الشاب مهدي فرهاديان، وصولا إلى مجموعة مكونة من ستة بورتريهات فوتوغرافية ذاتية للفنان الراحل صادق تيرافكان، جميعها التقطت من الخلف أو اختفت خلف رداء أحمر، وفي بعضها يمسك بسكاكين طويلة. وقد عاش تيرافكان، الذي توفي في السابعة والأربعين من عمره، بين طهران وتورونتو.

الجناح التركي، يعلو نظيره الإماراتي في جاليري “الأرسينالي”، ويقدم تنويعة على تيمة التشريد. ويضم الجناح أعمال فنان واحد، هو الأرميني سركيس (76 عاما)، المولود في تركيا باسم سركيس زابونيان. مع انخفاض الإضاءة والتشكيلات الضوئية التي تصدرها لمبات النيون من طرفي القاعة المستطيلة متخذة هيئة أقواس قزح، تنعكس الإضاءة على ألواح زجاجية، وكأنها زجاج ملون، فتضيء شذرات من الإنسانية: صورة لهرانت دينك (الصحفي الأرميني الذي أغتيل في اسطنبول عام 2007)، جنازة والدي سركيس، لمحة من وجه المخرج السينمائي سيرجي باراجانوف، لقطة لامرأة وحيدة بصحبة كلبها في عربة قطاع أنفاق. ويأتي هذا العمل المركب، الذي أبدعه سركيس في باريس، في توقيت حرج، إذ يوافق عام 2015 الذكرى المئوية لمذابح الأرمن، التي ترفض تركيا اعتبارها تطهيرا عرقيا. وهكذا، يمثل اعتراف تركيا بالفنان والشهادة التي يقدمها أملا في تسوية مستقبلية لهذه القضية.

على جانب آخر، ظهرت إضاءات أكثر خفة من هذه المنطقة الملتهبة، وذلك في المعرض الجماعي الذي يحمل اسم “في وجه العاصفة”، وهو اسم غير ملائم على الإطلاق. في أعماق متاهة من فضاءات العرض داخل بناية تعج بسقالات البناء جنوب المدينة، عرض خالد حافظ من القاهرة عمله المسمى “سوناتا لمعبد بالمرايا”، متضمنا فيديو نابضا بالحياة لأيقونات ثقافية عبر آلاف السنين، تظهر متتالية على الشاشة: تصوير ساخر لرجال مفتولي العضلات، ثيران من حضارة الرافدين، ديكورات معمارية أنيقة. “أنا أعالج التهجير القسري والصراع بين الثروة والقوة”، يقول حافظ الودود، الذي كانت صوره المتحركة تمثل تحريكا للوحة رسمها بنفسه، اسمها “سوناتا لمقبرة في ثلاث حركات عسكرية” (2010)، والمعروضة حاليا في جاليري الأيام بدبي. هذا العمل الفني المرح يقوم على إعادة تشغيل الفيديو مرة بعد مرة، ما يوحي بدوائر الحرب والتشريد التي لن تنتهي.

تعليق الصورة:

عمل مركب في الجناح التركي ببينالي فينيسيا لعام 2015، إهداء من أندريه مورين/ الجناح التركي.