في تشرين الثاني  2014 سافر السيد فيليب فان كاوتيرن الخبير الفني على الجناح العراقي في بينالي البندقية السادس والخمسين  إلى بغداد بصحبة الدكتورة تمارا جلبي رئيسة مجلس إدارة مؤسسة رؤيا وهناك قاما بلقاء الفنانين في ستديوهاتهم كما قاما بزيارة المعاهد والمعارض الثقافية في المدينة كما قامت مؤسسة رؤيا  باستضافة ندوة موسعه عن  الفن العالمي المعاصر في بغداد حيث قدم السيد فيليب عرضا عن ذلك واللقاء مع الكتاب والمثقفين من بغداد و مدن عراقية اخرى وقد تحدث الى مؤسسة رؤيا عن هذه الرحلة

ما هو سبب زيارتكم الى بغداد وماذا فعلتم هناك ؟

الفن يمكن اعتباره ممارسة مدنية و متحضرة – على الأقل هذا ما انظر اليه انا – لذلك قضيت بعض الوقت في بغداد الشهر الماضي ، للبحث و تطوير الأفكار حول الإخراج الفني للجناح العراق في  بينالي البندقية السادس والخمسين . زرت الفنانين في المنازل واستوديوهات ، لاكتشاف المشهد الفني المحلي  وكذلك زرت مؤسسات مثل كلية الفنون الجميلة ومتحف الفن الحديث ومتحف العراق. حصلت على انطباع مفصل عن المشهد الفني المعاصر في بغداد، وكيف يتم التعامل و النظر الى هذا النوع من الفنون في هذه المدينة. وعلاوة على ذلك قامت مؤسسة رؤيا  بدعوة الكتاب والمثقفين والنقاد من بابل والنجف وأربيل وبغداد نفسها الى ندوة شاملة وهو ما أعطاني نظرة عميقة عن الحياة الثقافية في أجزاء أخرى من البلاد

DSC_0084

At the Akkad Gallery, Baghdad

ما هو اكثر شيء اثر عليك في بغداد في ايامك القليلة الاولى؟

لم اكن حتى وصلت إلى بلجيكا لاتمكن  من التفكير في انطباعاتي عن الرحلة. وبدا لي العديد من التجارب غير حقيقية في ذلك الوقت. كان كما لو كان شيئا ليس صحيحا في تصوري عن الفضاء الحضري. بغداد هي مدينة مرسومة ومنظمة  بفواصل من نقاط التفتيش ، من خلال وجود الجيش ، من خلال أشكال غير معلنة من الخطر والعنف. الشارع ليس شارعا ، و الساحة لا تبدو ساحة. جميع العناصر تجعل من المدينة مناطق محتملة للإرهاب والعنف. ليست هناك مدينة في العالم تخوض الجدران الخرسانية في حياتها اليومية كما هو الحال في بغداد. أنا تأثرت كثيرا بالناس الذين قابلتهم وحكاياتهم. كان للجميع ضحايا بسبب العنف بشكل أو آخر.

ما هو الهدف من زيارتكم لاستوديوهات الفنانين؟ كيف تم تحقيق ذلك ؟

ليس هناك طريقة أفضل للحكم على عمل اي فنان من ان تراه أمام عينيك ، لذلك قمنا بزيارة الفنانين في استوديوهاتهم للاستماع الى حديث الفنان ، مشاهدته ومراقبته عن قرب ، كل ذلك يجعلني أفهم العمل بشكل أفضل. لم يكن عملي  مجرد استكشاف المواهب لبينالي البندقية ، حاولت استيعاب أكبر عدد ممكن من أجل التوصل الى  فهم واضح ، متواضع وصادق عن الانتاج الفني في بغداد لعام 2014. وعلى الرغم من أن ما رأيته كان مجرد عينة صغيرة من ما كان يحدث في المدينة ، الا ان  قاعدة بيانات مؤسسة رؤيا  الواسعة عن الفنانين العراقيين كانت مفيدة لأبحاثي الأولية

ما هي الأفكار أو المواضيع الذي كنت تبحث عنها، للتحضير للجناح العراقي؟

أنا ابدا لا أبحث عن شيء ما ، أنا فقط أعثر عليه. انا هنا اعيد صياغة كلام بابلو بيكاسو إذا كنت صحيحا. أنا لا أريد أن أضع نفسي بجانب هذا العبقري المطلق ، ولكن إعداد معرض ليست ممارسة حيث مجرد يتم تطبيق الألوان مع ألانماط. وبطبيعة الحال فالواحد لديه فكرة وموضوع في ذنه ولكن بالنسبة لي انه الفنان الذي يهم في المقام الأول. لذلك كنت أبحث عن الفنانين، وكثير منهم كانوا مثيرين للاهتمام.

لقد قمتم بزيارة كلية الفنون الجميلة ,ماهو انطباعكم عن تعليم الفنون في بغداد؟

في زيارتي لكلية الفنون الجميلة واجهت مناقضات تامة. لايمكن ان يكون  هناك مناقضة اكبر مما بين  خطاب عميد الكلية مدعيا أن الكلية واحدة من المؤسسات  المميزة و المتقدمة في الشرق الأوسط ، والممارسة الفعلية  التي  اكتشفتها في الاستوديوهات والندوات هناك ، حيث كان التعليم والتدريب لا يزال كلاسيكي جدا. بالتأكيد فان  مدرسة الفن ، بطبيعة الحال، يجب أن تكون مكانا للفنانين الشباب لتعلم تقنيات معينة. ولكن الأهم من ذلك، حيث ينبغي توفير السياق لاحتضان التجريب والفشل من أجل تطوير أشكال فنية مختلفة. وينبغي أن تكون الكلية مكان مفتوحللمناقشات الحية حول ما يعنيه أن يكون الفنان فنانا ومساعدة الفنانين الشباب للتفكير في وضعهم داخل المجتمع. وينبغي أن تكون الكلية مكان   يلهم على الإبداع والابتكار. أكثر من ان تكون مكان للتمرين على العقيدة،  بل ينبغي أن تكون الكلية تمرين على  الحرية

ما اهمية تعزيز الفنون والثقافة في العراق؟

لدي إيمان قوي و بسيط بأن الفنون والثقافة يجب أن تكون في مركز كل مجتمع،  ليس في العراق فقط. الفنون يمكن ان تهذب  أشكال التسامح والتفاهم بين الناس. لها قوة تحويلية. ويمكن من خلالها محاربة فقدان الذاكرة والنسيان. أعتقد أن الفنانين في العراق يمكن أن يساعدوا في إعادة بناء المجتمع. حتى لو كان الفن يعتبر قطاعا ناعما، فإنه مع ذلك لديه القدرة على التحدث حاله حال القطاع الاقتصادي والديني أو السياسي. للقيام بذلك، يجب على الفنان أن يكون مقتنعا بأن له أو لها مهمة لاتقتصر على  جعل الصور لطيفة، وجميلة ومزخرفة بشكل جيد ، ولكن هو أو هي لديه القدرة على قول شيء من خلال اللغة المنهجية والجمالية للفن. هذا يحتاج الى شجاعة ، لا سيما في بلد معقد وممزق مثل العراق.

للعديد من العراقيين مفهوم (  مخرج المعارض او خبير فني  ) غير معروف فكيف ستشرحه لهم بافضل طريقة خصوصا في سياق مشهد فني ثقافي يساق كليا من قبل الدولة لحد الان؟

 ان اقامة معارض هي مهنه بحد ذاتها وهي لاتتضمن فقط تعليق لوحات بشكل عشوائي في الفضاء وهو ما شاهدته في العديد من المعارض في بغداد .هناك عدة طرق واحتمالات لاختيار اعمال الفنان لمعرض ما .ان مهمة المخرج المعرض او الخبير الفني هي الاختيارات الصحيحة  لتوضيح موضوع المعرض أو لتأطير  السياق المعنوي لعمل فنان. ومن خلال التوزيع المكاني الدقيق للاعمال الفنية   يتم إنشاء المحتوى والمعنى الفني للعمل. ضمن  كلمة مخرج المعارض  او الخبير الفني curator   يمكن قراءة الكلمة اللاتينية curare والتي تعني (يهتم او يعتني). مخرج المعارض او الخبير الفني  يهتم بالأعمال الفنية والفنانين ا و هو الوسيط بين المشاهدين والفنان. انها حساسية الخبير الفني التي تمكن الأعمال الفنية من ان يتم عرضها بشكل صحيح وفهمها  ضمن سياقها التاريخي و الاجتماعي.

IMG_1648

Ahmed Abdul Razzaq’s studio, Baghdad

ما رأيك، كأجنبي جاء إلى العراق جالبا  معه الخبرات الدولية للجناح العراقي؟ كيف ترى هذا التفاعل وتفسيره على ارضية هامة مثل البندقية ؟

بعد رؤية الأعمال بالنسبة لي  كأجنبي و غريب ، اصبحت قادرا على إعطاء رؤى جديدة تسمو على السرد الكلاسيكي  للفن العراقي ، فضلا عن الصور النمطية التي تسود بين المؤسسات في العراق. حاولت أن أجد طرق لربط أعمال الفنانين العراقيين إلى الخطاب الدولي الأوسع نطاقا عن الفن المعاصر، والتي لم تكن قد تعرضت له. وأعتقد أن وجهة نظر خارجية يمكن أن تولد فهم أفضل للنوعية  والسمات الخاصة للفن المعاصر في العراق. الشخص الاجنبي غير مقيد بسبب الخلافات الفنية المحلية أو المواضيع ، المبدأ التوجيهي الوحيد هو الجودة الفنية. البينالي في البندقية هي منصة هامة لإطلاع جمهور مهني دولي على الفن المعاصر في العراق. وبما انه لا يزال يعتبر واحدا من أهم الأحداث في عالم الفن المعاصر. لذلك  هي فرصة ممتازة للفنانين العراقيين

كيف  تحضرتم للندوة التي استضافتها مؤسسة رؤيا؟ ما هي المواضيع أو القضايا التي حاولتم معالجتها؟

استضافت مؤسسة رؤيا  ندوة حول الفن المعاصر في آخر يوم لي ، مفتوحة أمام الفنانين من جميع انحاء البلاد. لقد طلب مني تقديم عرض عن الفن المعاصر العالمي . كانت رحلة عبر السنوات الـ 30 الماضية في تاريخ الفن. شملت ثلاث لحظات تاريخية سابقة: مارسيل دوشامب، إدوارد مانيه و كاسيمير ماليفيتش . أنا أعتبر هؤلاء الفنانين النهاية ونقطة الانطلاق في نفس الوقت، وأنا استخدم عملهم لأنني أردت إغلاق ابواب وفتح أخرى جديدة. لم يكن لدي أي مواضيع محددة ، ولكن كان لي بعض الاهتمامات الجدية .

في العراق، اللوحة لا تزال هي النموذج الفني الرئيسي و من خلاله كل شيء آخر يجري الحكم عليه ، لذلك ضمنت اشكال الرسم المختلفة في المحاضرة. وأنا شخصيا أحب الرسم كثيرا. ثانيا انا اعطيت أمثلة عن الفنانين الذين  كانت هناك علاقة واضحة بين اعمالهم وسياقهم الاجتماعي. أردت أن أبين أن الفن ليس (فقط) ممارسة الإنهزامي: الفن هو وسيلة للتحدث. الفن هو لغة. وثالثا، أردت أن أبين أنه في بعض الأحيان تحتاج فقط  الى حجر وشعرك الخاص   لصنع عمل فني مذهل.

At the restoration department of the Museum of Modern Art

At the restoration department of the Museum of Modern Art

ما هو الجزء الأكثر أهمية لهذه الندوة؟ لماذا؟

لقد تأثرت كثيرا، عندما قال لي فنان من كبار السن أن الحدث الأخير مثل هذا في بغداد كان محاضرة لفرانك لويد رايت في عام 1956. فيما كان هذا صحيحا او لا ، فهذا يظهر عدم وجود حوار بين العراق و المشهد الفني الدولي . فهمت كيف كان ثقيلا على سكان العراقي أن ينقطع   عن بقية العالم لفترة طويلة، لأسباب عديدة. لدي احترام عميق لشجاعة هؤلاء الفنانين والناس  و الذين على الرغم  من كل شئ يواصلون العمل في ظروف غالبا ما تكون صعبة، و حتى مستحيلة . وربما هذا هو السبب الذي جعل المحاضرة تمتد الى فترة ما بعد الظهر. انها ليست كل يوم أستطيع أن أتكلم لجمهور متلهف لالتهام و استيعاب المعرفة

كيف سيتم مواصلة عملك الذي بدأ في رحلتك إلى بغداد؟

سأبقى على اتصال مع هؤلاء الفنانين، شكرا لمؤسسة رؤيا . لقد وعدت كثير من الفنانين  بارسال معلومات عن الفنانين الدوليين الذين أعتقد بان ممكن أن يؤثرون عليهم. أشعر بأن مسؤوليتي تتجاوز بينالي البندقية. لقد التزمت شخصيا بتقاسم خبرتي ومعرفتي مع الفنانين الذين التقيت بهم. سأفعل هذا في اسلوب حازم ولكن بناء

كيف تغيرت أفكارك للجناح ، منذ زيارتك إلى العراق؟

بالنسبة لي الان العمل على أن أعرف وبالنسبة لكم هو الاكتشاف ! لا أستطيع أن أقول أي شيء على الجناح والمسارات المختارة في الوقت الراهن.