يسر مؤسسة رؤيا أن تعلن عن تمثيل سيروان باران للعراق في بينالي البندقية (فينيسيا) الثامن والخمسين، بـ “معرض الفنان الواحد” من 11 مايس إلى 24 تشرين الثاني 2019. وسيكون هذا هو الجناح الوطني الرابع للعراق الذي تكفلت بتنظيمه مؤسسة رؤيا، ويأتي هذا المعرض بعد تحقق نجاح ملموس لمعرض ” العتيق” الذي نظمته مؤسسة رؤيا لنسخة البينالي السابع والخمسين، عام 2017. وهذه هي المرة الأولى التي سيمثل العراق فنان واحد في البينالي.
ولِد الفنان الكردي- العراقي سيروان باران في بغداد عام 1968، وهو يُعتبر واحدا من الرسامين العراقيين المنتمين إلى “الجيل الجديد”. وقد عاش لأكثر من 40 سنة من الحروب في بلده، وتم تجنيده لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية خلال النزاعات التي وقعت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وخلال الفترة التي خدم فيها كجندي وفنان، كان على باران أن يسجل الانتصارات التي حققها الجيش العراقي كجزء من بروباغاندا النظام السابق. وأصبح عمله الفني أكثر تعبيرية حين بدأ يتناول تجربته العسكرية من خلال تفكيك صور الجنرالات بشكل متنافر، وتجريدات مجازية. يصف باران هذه الفترة الفنية بأنها محاولة لإسكات “الكابوس الذي في داخلي”.
ستثير الأعمال الفنية ذات الحجم الكبير عن “أرض الآباء”، في نفس الزائر عند دخوله المعرض، شعورا بأنه في ساحة حرب، وهذا يتماشى مع أسلوب باران الداكن والمشهدي. سيضم المعرض لوحة ضخمة مرسومة بالأكريليك، وهي تنقل من نقطة عالية جنودا مقتولين في ساحة معركة. كذلك ستكون هناك عناصر من الكولاج مدمَجة بعضها ببعض، بما فيها قطع من بدلات عسكرية أعطتها بعض عائلات المتوفين للفنان. وهذه البدلات تم جمعها من الحرب العراقية- الإيرانية، وحرب الخليج الثانية والحرب ضد داعش.
كذلك، فإن المعرض سيضم تمثالا، وهو عبارة عن نسخة مطابقة لجنرال في الجيش داخل زورق غارق مصنوعاً من مادة الالياف الزجاجية. وقد نحت الفنان باران جسم الجنرال بحيث يبدو وكأن نصفه متحلل، بينما النصف الآخر يبدو سليماً يرتدي بدلة عسكرية وعلى صدره ميداليات. وهذا التمثال الذي يشبه مومياء قديمة في تابوت حجري تندمج فيه قطع من الكولاج، باستعمال قماش مأخوذ من بدلات عسكرية.
وقد وقع العراق والمنطقة تحت سلطة الخوف والاستبداد بفضل الأيديولوجيات القومية والدينية التي غالبا ما تكون مدفوعة بالحاجة إلى شن الحروب، بدافع التنافس على “أرض الآباء” والدفاع عنه. فمصطلح “الوطن” يُستخدم من قبل الطغاة في خطاباتهم الديماغوجية وفي الأدب الفاشي. المعرض هو بشكل ما تعليق على البعدين الذكوري والأبوي للثقافة السياسية في العراق والمنطقة.
يسعى باران، بشكل خاص، إلى استقصاء الطرق التي استُخدمت فيها عبارة “أرض الآباء” لتبرير فظائع الحرب، وجهود الجنود، وتكتيكات القائد. وغالباً ما يرسم الجندي كبطل جريء ومطيع، وهو في حقيقة الأمر، غالبا ما يكون ضحية لسلطة قاسية. فمن خلال اختبار إساءة استعمال مفهوم الوطن، يستكشف المعرض أيضاً طبيعة الإنسان، واستسلامه لطبيعته العنيفة، ولغرائزه الاستبدادية التي تجد لها منفذاً للتفريغ من خلال الحرب.
قالت تمارا الجلبي رئيس مؤسسة رؤيا وأحد مؤسسيها، وقيِّميها الفنيين: “إنه لتطور مهم لهذا الجناح أن يمثل فنان واحد العراق للمرة الأولى. يمكن اعتبار أعمال سيروان باران الفنية شهادة شخصية له عن تجاربه، جنبا إلى جنب مع تعليق كوني حول الشرط الإنساني. أنا مسرورة أيضاً لإشراك أسلوبه الانطباعي المتفرد كفنان، في وسط مهم للغاية ضمن تاريخ الفن العراقي الحديث.”
قال القيّم الفني المساهم باولو كولومبو: ” أعمال سيروان باران الكبيرة ذات الحجم الكبير إدانة قوية لفظائع الحروب. فهي تهدف إلى إبهار المشاهد، مثلما هو الحال حين ينبهر المشاهد الجالس قريباً أمام شاشة سينما كبيرة. فشهادته ليست مقننة، وحجوم أعماله تتوافق تماماً مع حجم ندائه.”