أسامة خالد سينمائي شاب يقيم حاليا ما بين صنعاء وبرلين. وآخر أعماله، “الخوذة”، وهو فيلم قصير ينضوي تحت صنف أفلام الخيال العلمي، ويدور في صنعاء، المدينة الممزقة بفعل الحرب، وقد وصل هذا العمل حاليا مرحلة ما بعد الإنتاج. وفي فيلمه القصير المنتج سابقاً: “لا تمثيل بعد الآن”، تتعقب الكاميرا حياة صبيين يعيشان داخل صنعاء خلال فترة النزاع فيها، وقد تم عرضه في مهرجان الأفلام العربية لعام 2017 في لوس أنجليس.

منذ اندلاع الحرب عام 2015، وخالد يصور أصوات ضحاياها عبر الأفلام الوثائقية القصيرة وحملته ضد الحرب عبر أفلام الفيديو. وهذه تشمل “أعراس تتحول إلى جنازات” و”بانتظار العدالة” لصالح المنظمة الأهلية المتمركزة في اليمن: “المواطَنة”، و”أطفال منسيون” لصالح منظمة “انقذوا الأطفال”. وتحدثت “رؤيا” مع خالد حول عمله كجزء من المسلسل الجديد:”حوارات إقليمية”، والهادف إلى تغطية الفن والنزاعات في الشرق الأوسط.

“الخوذة” ينتمي إلى نوع أفلام الخيال العلمي، ومع ذلك فهو يقع ضمن سياق حقيقي يتمثل بالحرب الحالية الدائرة في اليمن. كحكواتي، كيف يمكنك التوفيق ما بين الجانبين الوثائقي والمتخيل؟
هذا يعتمد على القصة. حين تحضر قصة ما في ذهني، أسعى إلى إيجاد أفضل طريقة لتجسيدها. فأنا في كلا الأفلام الخيالية والوثائقية، أجد نفسي شاعراً بما تشعر به الشخصيات. أنا انتهيت مؤخراً من فيلم عن عمليات الاختطاف في اليمن لصالح منظمة “المواطَنة” الأهلية. في البدء، لم أكن متأكداً إن كنت سآخذ المشروع، لأن عمل فيلم كهذا في اليمن اليوم يعد أمراً خطيراً جداً. نحن استجوبنا عوائل الضحايا، لكننا في الغالب استخدمنا أسلوباً خياليا لإيصال الرسالة.

كيف بدأت بصياغة قصة فيلم “الخوذة”؟
حين بدأت الحرب عام 2015، حاولتُ جاهداً أن أتناساها. وهذا من خلال تصور أني في مكان آخر. في الوقت نفسه، جُذِبتُ آنذاك إلى تقنيات الواقع الافتراضي الجديدة، وكيف يمكنها أن تجعلك تشعر وكأنك في مكان آخر. والقصة بدأت تتشكل من هناك: البطل، عالقٌ في غرفة نومه بصنعاء، وهو في البداية يصنع خوذة افتراضية، لكنه في الأخير ينقل نفسه الكترونيا خارج المدينة.

في كتابه المسيح العراقي (2014)، يقول حسن بلسم إن هناك غيابا للأنواع الأدبية القائمة على الخيال في الأدب العربي المعاصر. هل يمكن أن ينطبق هذا الأمر على أفلام الخيال العلمي؟
لم أشاهد أي فيلم خيال علمي عربي. ولا أظن أن هناك أيا منها. كسينمائيين في العالم العربي، نحن غالبا ما نركز على السيناريوهات التي تقدم الحياة الحقيقية. نحن غالبا ما يُطلَب منا أن نكف عن الحلم، أن نكف عن التخيل وأن نكون متجذرين في الواقع، خصوصاً في اليمن. ومؤسساتنا هي الأخرى تحددنا. حين كنت في المدرسة، كانت أحلام اليقظة والتخيل تعتبر سخيفة وغبية. أنا حالياً موشك على الانتهاء من دراستي في حقل دراسات الإعلام بجامعة صنعاء. البناية قديمة وخالية من الإلهام. وهم لا يملكون الأجهزة أو الكتب، إنها مثلما كانت خلال التسعينيات من القرن الماضي. أنا تعلمت عمل الأفلام من مشاهدة دروس على اليوتيوب، خصوصا تلك التي يقدمها فيليب بلوم، واللقاء بالسينمائيين عبر الانترنت في صنعاء.

ما هي العقبات التي واجهتك خلال عملك على فيلم “الخوذة”؟
تطلب إنجاز هذا الفيلم الذي يستغرق 7 دقائق إلى ثلاث سنوات لتصويره وإنتاجه بسبب الحرب الدائرة في صنعاء. إنه من الصعب جدا التصوير في الهواء الطلق بصنعاء اليوم، لذلك فنحن صورناه في الداخل، في غرفة واحدة، منحها صديق لي، وكان بإمكاني تصوير مشهد واحد للشارع صورناه من داخل حافلة. وقد كلفتُ أصدقاء يعيشون في الخارج لتصوير بعض مشاهد الرحلات، واتصلت بسينمائي من تايلاند للسماح لي باستخدام بعض اللقطات الخاصة به. أنا جمعت طاقماً للعمل على الفيلم عدده 28 شابا. كان الكثير منهم من دون أي تجربة سابقة في صناعة الأفلام، مع ذلك فجميعهم ارتبطوا بالقصة. “نعم، أشعر نفس الشيء. أنا أمر بنفس الشيء”، هذا ما كانوا يقولونه حين أخبرتهم بالحبكة. كذلك، قام صديقي أحمد داويد، طالب العمارة، بتصميم الخوذة وصياغة الديكورات والاكسسوارات. خلال عملنا على الفيلم، لاحظتُ كيف أن أفراد الطاقم كانوا يشتركون في نفس الأمل الذي أحمله في داخلي. واليوم، أنا أعمل مع موسيقي مقيم في اليمن لإنتاج موسيقى تصويرية أصيلة للفيلم.

كيف تصف الظروف التي يعمل الفنانون فيها اليوم بصنعاء؟
إنه من الصعب عمل أفلام في صنعاء اليوم. فالحكومة تريد أن تراقبنا. وهي تريد أن تعيد كتابة تاريخنا أيضا. هي تقول إننا يجب أن نركز على مقاتلة عدو مشترك، على الرغم من أن كل المشاكل والخلافات السياسية قائمة في داخل اليمن نفسه. وهذا خطأ، فالرسامون، والمصورون الفوتوغرافيون يجب أن يُمنحوا الحرية لتوثيق الحرب، لأنهم يستطيعون منح حقيقة وشعورا أكثر للقصة.

فيلمك القصير”لا تمثيل بعد الآن” يستند إلى شريط صوره أخواك الصغيران. كيف طورتَ الفكرة؟
في ذلك الوقت، كنتُ مشاركا في ورشة عمل مخصصة لعمل الأفلام تسمى بـ “كومبرا”، وقد قضيتُ وقتا طويلا أبحث في البيت، عن قصة أستطيع تحويلها إلى فيلم. ولم أجد أي شيء. اكتشفت شريطاً صوره أخواي بكاميرتهما اليدوية الصغيرة، فاستخدمته لإعطاءالحرب وصفا من منظور صبيين. وعلى الرغم من أني عرضتُ نسخة من الفيلم في المهرجانات فإنه ما زال في طور الإنتاج. أنا سأتّبع قصص أخويَّ حتى عام 2020، أي لفترة خمس سنوات. أريد أن أظهِر حياة طفلين ترعرعا في منطقة حرب، وكيف أنها تغيرا بسببها.

ماذا تأمل أن يحقق فيلم “الخوذة”؟
أنا سلمتُ فيلم “الخوذة” للمهرجانات، والخطوة اللاحقة هي السعي للحصول على تمويل لعمل فيلم روائي، وهذا يتضمن تدريب السينمائيين والفنانين المقيمين في اليمن. أما بالنسبة لجمهوري، فانا تمكنتُ من الوصول إلى جمهور يتجاوز حدود العالم العربي. فقصة فيلم “الخوذة” ليست حول اليمن فقط، بل هي حول الشباب في سوريا والعراق ومصر وبلدان أخرى تعيش حالة الحرب. هناك الكثير من الشباب عالقون في أماكنهم ويحاولون القيام بشيء ما للتغلب على مشاكلهم اليومية. هذا الفيلم هو حولهم.