يقول الفنان العراقي المولد، والمقيم في بروكسل، محمد العاني: “عملي يتضمن التكثيف. فأنا أريد أن أجعل العلامات الأخيرة، والأشياء، والمفهوم أبسط ما يمكن.”
في إحدى زوايا قاعة “ميغيم” بـ “غاليري أبوستروف”، يستقر رأس حذاء جلدي أسود على قمة إصبع طباشير أزرق، مائلا قليلا صوب الجدار. وفي هذا العمل الفني نرى إصبع الطباشير يرفع فردة الحذاء عن الأرض، في حين يضغط وزن الأخيرة على الطباشير مانعا إياه من السقوط.
وتشكل نقاط التماس الثلاث ما بين الطباشير، وفردة الحذاء والأرض مثلثا قائم الزاوية متقناً. وهذا التوازن الدقيق في العمل يضيء فكرة الاعتماد المتبادل لشيئين أحدهما على الآخر بالرغم من الاختلاف الظاهري القائم بينهما: إصبع طباشير أزرق وفردة حذاء أسود.
هذه التركيبة هي جزء من أعمال محمد العاني المقدَّمة في المعرض الجماعي: “خذ هذا الفالتس” المقام في “غاليري أبوستروف”. وفي مكان آخر، يمسك الزائر بقضيب خشبي لمَنشر ملابس، تتدلى منه علّاقة وحاوية بلاستيكية صفراء. هذا الترتيب الهزلي والمرح،الذي يحول المشاهد إلى مشارك فعال في العمل، ويطرح أسئلة أكثر عن الأشياء، وعن شكلها ووظيفتها- بصيغة أخرى، طبيعة الأشياء.
يقول العاني: “أنا أفكر في الفراغ، والأشياء، والمواد وكيف أنها تعمل معاً.”
درس الفنانالعاني أولا في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ثم انتقل إلى بروكسل عام 1997. ولاحقا سجل في أكاديمية الفنون الجميلة، “جان جاك جيار سانت – جيلز” حيث تخرّج منها عام 2015. “كطالب في بروكسل، حاولتُ أن أجد صوتاً أصيلا ومواد أستطيع الاستحواذ عليها وأعتبرها خاصة بي. استخدمتُ الطباشير ومسحوق الطباشير للرسم وعمل أشياء أخرى.” وتشمل معارضه الفردية الأخيرة، “واقع في فخ” (2017) في “نافذة غاليري هوبستريت”،بروكسل، و”ترابط” (2017) في “أكاديمية فوربيلدندي كونست آودينادي”. وشارك في عمل فني ضمن عروض جماعية من بينها معرض “100 فنان للحرية”(2016) في المتحف اليهودي ببروكسل، و”تحذيرات” (2017) في مجمع سيليانا الثقافي، بتونس. وتحدث لمجلة رؤيا من استوديوه الذي يشاركه فيه فنانَّين آخَرَين. “الفوضى التي تراها هناك تعود لي” قال ساخراً.
في عمله يستخدم العاني عددا متنوعا من الأشياء مثل الإفريزات العتيقة والسجاجيد والكرات المطاطية الملونة والسّطول والإطارات. “أنا أجدها عادة في المحلات والبيت والشارع. إذ حين يجذب عينيّ شيء ما وتراودني فكرة أني أستطيع أن أصوغ عملا فنيا منه، آخذه إلى الاستُديو،” قال الفنان العاني شارحاً، ولذلك “فإنه من الممكن أن يبقى هناك سنة قبل أن ألتقطه مرة أخرى.”
بهذه الأشياء التي يعثر عليها، تأتي تدخلات العاني الهزلية. في غرفة أخرى من “غاليري أبوستروف”، وُضِعت حنفية حديدية منفصلة على جانبها فوق الأرضية، فبدت وكأن ماءً ينسكب منها، مكوناً خطوطاً متموجة. وفي مكان آخر هناك طريق ضيق معمول من آجر أحمر يمتد على طول الغرفة ويوازي الجدران. أكثر أعمال العاني موضوعة بشكل مستو على أرضية المعرض، وبهذه الطريقة تقدم عدم توازن أو تراتبية بين نظرات المشاهدين والعمل نفسه. يعلق الفنان العاني موضحاً: “الفراغ سيُنبِئني كيف أُنتِج العمل للمعرض.”
يصر العاني بأن أعماله لا علاقة لها بالعراق، أو الشرق الأوسط أو الفن الإسلامي. يقول موضحاً: “أنا تدربت كفنان في بلجيكا، وأرى عملي جزءاً من الخطاب الفني الغربي المعاصر… مع ذلك، فإني بدأت مؤخراً بالتعامل مع فن الخط والحرف الكوفي.”
في عمله المعروض بـ “نافذة غاليري هوبستريت”،في بروكسل، أقام الفنان برجاً من آجرات حمراء. وبين الآجرات في قاع البرج حُشرت صفيحة خزفية فيها نقش عربي، وهذا ما جعل الآجر في قمة البرج يميل قليلا، وكأنه على وشك الانهيار. يقول العاني: “أستخدم موتيفات من الخط العربي مماثلة في مشاريعي الجديدة، لكني لا أعرف كيف ستتشكل لاحقاً.”
مع ذلك فإن عمل العاني يبقى ملتزما بالبساطة والنقاء في صوغ العلامات والأشكال والأشياء. وضمن هذا السياق يقول مؤكداً: “بصرياً، أنا منجذب إلى الأشكال الهندسية والصيغ الرياضية”. وفي سلسلة مبكرة من أعماله، أنتج الفنان تركيبات تجريدية، تجمع ما بين الخطوط المستقيمة والمنحنية مرسومة بالطباشير، على سطوح خشنة ومستوية كالألواح الخشبية والإطارات والورق المقوى. وعلى الرغم من أشكالها الهندسية ودقتها، فإن هذه الترتيبات التجريدية جرت بشكل عشوائي. وهي تشير إلى منطق يتحداه العمل نفسه. وهذا المبدأ نفسه يتأكد في تركيبة الفنان بمعرض “خذ هذا الفالتس”. وفي عمل آخر له بالمعرض، نرى هرماً مصنوعا من أوراق بلاستيكية مستطيلة حمراء وموضوعا على صندوق أحذية من ورق المقوى، والذي يستخدم كقاعدة للهرم. يعلق الفنان العاني قائلا: “ليس لهذه الأشكال الهندسية والصيغ الرياضية أي معنى. هي تذكّرني حينما كنت أجلس في الصف ولا أفهم الدرس.”