فازت أول دراسة تعد عن أعمال المصور الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني بجائزة “الكتاب التاريخي” في مهرجان “لقاءات آرل” 2017، من بين قائمة قصيرة من 15 كتابا. وقد أعلنت الجائزة في احتفال في الرابع من تموز (يوليو) حضرته رئيسة مؤسسة رؤيا، والشريكة في تحرير الكتاب، تمارا جلبي.
يعرف لطيف العاني (مواليد بغداد 1932) بالأب المؤسس لفن الفوتوغرافيا في العراق. منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى سبعينياته، أي في فترة صعود الكوزموبوليتانية والانفتاح في البلد، كان غزير الإنتاج في توثيق الحياة اليومية في العراق. أرشيفه الهائل من صور الأبيض والأسود الواقعية يمثل سجلا فريدا للتجربة العراقية في أواسط القرن، لكن حضوره خفت ابتداء من الثمانينيات.
أنتج لطيف العاني الأغلبية الكاسحة من أعماله على مدار ثلاثة عقود تمثل عصر العراق الذهبي، وتعرض جانبا من جوانب المجتمع العراقي بات غائبا اليوم تماما. منذ أواخر الخمسينيات وحتى اندلاع الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) التقط لطيف العاني نسيج البلد الاجتماعي، الحداثي، متعدد الثقافات. صوره الثرية بالأبيض والأسود تسجل الصرعات الغربية المنتشرة، والصناعات النفطية، والحياة السياسية في العاصمة. بحلول الستينيات التي شهدت تصارع القوى المتنافسة على السلطة في العراق، كان لطيف العاني يعرض أعماله في أمريكا وأوربا، وكذلك في أنحاء الشرق الأوسط. غير أنه بحلول الثمانينيات واستفحال الحكم الاستبدادي لنظام صدام حسين اصبح التصوير في المجال العام ضربا من المستحيلات. ثم إن لطيف العاني فقد أرشيفه التاريخي أثناء غزو الولايات المتحدة سنة 2003، مما أفقده أي اهتمام بإنتاج المزيد من الصور الفوتغرافية.
تجدد الحضور العالمي لأعمال لطيف العاني في عام 2015، حينما طلبت مؤسسة رؤيا من الفنان أن يعرض أعماله ضمن الجناح العراقي في بينالي فينسيا السادس والخمسين. فلقيت أعماله هناك ثناء نقديا، وترتب عليها حصول لطيف العاني على جائزة الأمير كلاوس في حفل استضافته العائلة الملكية الهولندية. وجاء في بيان لجنة التحكيم أن “تكريم لطيف العاني يرجع إلى إبداعه أرشيفا استثنائي الثراء والتعدد من صور فوتغرافية تاريخية فريدة للمجتمع العراقي. توثق أعماله العراق بلدا حديثا ثريا ساعيا إلى المستقبل قبل أن يحل عليه الخراب بسبب حرب الخليج، كما أن تكريمه يرجع إلى دوره الريادي في تطوير الفوتغرافيا التوثيقية في العراق”.
اليوم يلقى لطيف العاني أخيرا ما يستحقه أرشيفه العظيم من اهتمام. وتأتي هذه الدراسة تتويجا لرجوع لطيف العاني إلى المشهد الفني، بجمعها قرابة مئتي صورة فوتغرافية يصاحبها نص لمراد منتظمي أمين جناح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة تيت موديرن. وفي الدراسة أيضا حوار بين لطيف العاني وتمارا الجلبي المتخصصة في فنون وثقافة الشرق الأوسط المعاصرة ورئيسة مؤسسة رؤيا المشاركة في تأسيسها، والمسؤولة عن إعادة تقديم لطيف العاني إلى مشهد الفن العالمي في 2015.
وقالت جلبي إن الجائزة “تمثل اعترافا مهما بالعمل الذي نقوم به كمؤسسة، والمكرس للترويج لثقافة ثرية وهشة في أرض وأزمنة هشة. وهي أيضا شهادة لعدسة لطيف العاني ولعمله المتفاني الذي أنتجه منذ سنوات طويلة قبل أن يغشاه النسيان، حتى استطعنا إعادة الانتباه إليه مجددا”.
بسؤاله عما إذا كان يعتزم ممارسة التصوير الفوتغرافي مرة أخرى يقول لطيف العاني مستبعدا ذلك “إنني أفتقد التصوير الفوتغرافي، لكنني أشعر أنني هرمت أكثر مما ينبغي وفقدت قدرتي على الرؤية والتنقل”. ينظر الشيخ البالغ من العمر خمسة وثمانين عاما إلى الجيل التالي من المصورين الفوتغرافيين في العراق بمشاعر متضاربة. لقد خسر العراق الكثير من الفنانين الموهوبين بسبب الهجرة، ومن هنا قلقه على تراث بلده الثقافي. أغلب المناطق التي عرفها في وسط بغداد القديمة لم يعد لها وجود. يقول “لقد عشت فيها، وأحببتها حبا عظيما، كلها الآن خربت، وأغلبها اندثر فلا وجود له”.