روزجار مصطفى فنانة فيديو أدائية مقيمة في السليمانية. درست الرسم في معهد الفنون الجميلة وجامعة السليمانية. سرعان ما بدأت مصطفى التجريب في الفيديو، والأداء، والأشياء الجاهزة، لإنتاج أعمال عن النساء وحياة النساء في العراق. في 2011، رتبت مصطفي لجماعة من المتظاهرين أن يحملوا خمسة مانيكانات بلاستيكية في مسيرة ضد الحكومة الإقليمية الكردية في ميدان السليمانية الرئيسي. شاركت نساء قليلات في هذه المظاهرات لأسباب أخلاقية ودينية وكذلك خوفا على أمنهن، وكان الغرض من أداء مصطفى ذلك هو المزيد من إبراز حضور النساء. انتقلت مصطفى إلى لندن سنة 2012، حيث أكملت ماستر الفنون الجميلة MFA من كلية تشيلسي للفن والتصميم. ومنذ رجوعها إلى العراق وهي نشطة في المشهد الفني في السليمانية. في نوفمبر 2016، أقامت مصطفى عرضين منفردين لأعمال الفيديو في مقهى الشعب. في حوارها مع مؤسسة رؤيا، تتكلم عن أعمالها وعرضها.
في نوفمبر قدمت عملين فنيين عن النساء، والعنف ضد النساء، على شاشة في مقهى الشعب. يشتهر هذا المقهى بكونه ملتقى لفناني السليمانية ومثقفيها. ما الجديد أو المختلف في معرضك هناك؟
مقهى الشعب مقهى تقليدي في السليمانية، فضاء يسيطر عليه الذكور، وبرغم السماح للنساء بدخوله، تؤثر أغلب النساء ألا يفعلن ذلك، حرصا على التقاليد المحلية. أمر بالمقهى غالبا لشرب الشاي حينما أذهب إلى السوق، وفي الماضي كنت أتطوع للمساعدة في أعمال المطبخ. الرجال يذهبون إلى المقهى لقضاء الوقت. يلعبون الدومينو والشطرنج والطاولة ويشربون الشاي. وعادة ما يتكلمون في السياسة أو في آخر الأنباء. لا وجود لإبداع أو لأي شيء يتحدى تصوراتهم. أغلب الذين يترددون على المقهى لا يألفون أعمال الفيديو آرت والفن الأدائي. فعلاوة على مناقشة القضايا المؤثرة على المرأة في المنطقة الكردية والعراق، قدمت أعمالي نوعا جديدة من التجربة الفنية يتحدى عادات المقهى اليومية.
كيف كان رد فعل رواد المقهى اليوميين على العمل؟
فوجئوا به، ومنهم من صدم قليلا، لكنه أثار فضولهم وأشركهم فيه. كانت غالبيتهم تتوقع فيلما طويلا، وليس فيديو قصيرا يستمر أقل من عشر دقائق. سألوني عما كنت أحاول قوله في عملي، وعما كنت أحاول الوصول إليه. سألني بعضهم إن كان ذلك فنا، والبعض تعامل مع الفيديو ورسالته بجدية بالغة. حتى الفنانون المحليون الذين حضروا العرض كان لديهم فضول إزاء العمل. كانت التجربة ظريفة وصعبة في الآن نفسه.
هل يمكن أن تكلميني عن العملين اللذين عرضتهما، “أنا أشبه أبي” (2013) و”أنا فداؤك” (2015) ؟
ـ فيديو “أنا أشبه أبي” (2013) كان آخر مشاريع دراستي الجامعية في لندن. يتضمن تسع لقطات لرأسي، أثناء الكلام، والضحك، والبكاء، والإيماء. والفيديو الذي يبدأ هادئا يزداد صخبا وكآبة. في كل فيديو أكرر كلمة أو جملة، مثل تعبير “أنا أشبه أبي”، كما أصور نفسي وأنا أكرر بالكردية “كردستان تقع جنوب تركيا وشمال العراق”. أما”أنا فداؤك” فعمل جديد أنجزته في العراق. والعنوان يعني “أضحي من أجلكم” وأكرره بالكردية على مدار العمل. في الفيديو، يعلن عنوان في صحيفة ناطقة بالكردية عن مقتل امرأة مجهولة في العراق. هناك فنجان شاي فوق الجريدة، أبدأ تقليبه في غضب وعنف بعد قراءة العنوان، مكررة كلمة أنا فداؤك.
في ضوء أن هذين العملين صاخبان وسياسيان، هل كان صعبا عليك إقناع أصحاب مقهى الشعب بعرضهما؟
إطلاقا، أصحاب المقهى ودودون ومتفتحون. لهم أصدقاء كثيرون في السليمانية، ويرحبون بالجميع في مقهاهم، لا سيما الأجانب. يحبون الانخراط في الحوارات والأفكار الجديدة.
جرائم الشرف والعنف ضد المرأة يبقيان حاضرين في المنطقة الكردية والعراق كله. ما الذي يمكن أن يفعله الفنانون للتعامل مع هذا؟
هناك منظمات ونشطاء يتعاملون مع قضية حقوق المرأة في كردستان، ولكنني لا أعتقد أن مجرد الكلام عن حقوقنا كاف. يمكن أن يقدم الفنانون وجهة نظر أكثر إنسانية. العنف ضد المرأة موجود في كل مكان في العالم، والنساء في كردستان وضعهن شديد الضعف في المجتمع. كان الوضع مختلفا حين كنا نعيش خارج المدينة وفي القرى. فالنساء كن يعملن في الحقول أندادا للرجال. علينا كفنانين أن ننتج المزيد من الأعمال في القضايا التي تواجهنا، وأن نتكلم عن أنفسنا وعن تجاربنا، لا عن حقوقنا فقط.
هل بوسع الفن المعاصر أن يخاطب جماهير لا يجيدون لغته؟
نعم، بالتأكيد. الأعمال التي عرضتها لم تكن سهلة الفهم أو مألوفة لجمهور السليمانية. غير أنني ما كدت أشرح العمل والمفهوم، حتى بدأوا في الاندماج معه.
كيف تطور المشهد في السليمانية خلال السنوات الأخيرة؟
هناك عدد أكبر من الفنانين المعاصرين ومعارض الفنانين في السليمانية، ولكن التطور بطيء. مؤسساستنا التعليمية لا تدرس قوالب الفن المعاصر كالأداء والفيديو آرت والتركيب. ولكن الذين درسوا الفن بالخارج تولوا أخيرا وظائف في مدارس الفن بالسليمانية ويحاولون تغيير المناهج. جمهور العروض الشبيهة بعروضي لا يزال صغيرا. ولكن معارض الأشكال الفنية الأكثر تقليدية، كالرسم والنحت، تجتذب في المقابل عددا أكبر من الزوار. تكون أيام الافتتاح مزدحمة، ولكن استقبال الأعمال في هذه المعارض شديد العمومية، إذ يتذوق الحاضرون الجمال بدون الاشتباك نقديا أو مفاهيميا مع الأعمال الفنية.
درست ماستر الفنون في كلية تشيلي للفنون بلندن. كيف تطور عملك نتيجة لذلك؟
تعلمت أن أتعمق في عملي وأن أتحلى بالقوة فأتكلم عن نفسي. تعلمت أنه ليس من العار أن أتكلم عن تاريخي أو ذكرياتي، على أن يكون ذلك بطريقة فنية أو نقدية. فرصة حضور المعارض، في تيت مودرن وجاليري ساتشي على سبيل المثال، ورؤية الأعمال الفنية مباشرة كانت في منتهى الأهمية. لا أعتقد أن بوسع الناس أن يقيموا علاقة مع الفن المعاصر ما لم يشاهدوا الأعمال الحقيقية المادية في سياق متحف أو جاليري.هذا يسمح بالإحساس بالأعمال والارتحال بصحبتها.
ماذا عن أولوياتك الآن كفنانة، وقد رجعت إلى العراق؟
أكثر ما صدمني بعد رجوعي إلى العراق وقد قضيت ثلاث سنوات في لندن أنه لم يتغير شيء تقريبا. حينما كنت في لندن، كان كل يوم كفاحا وتحديا. في العراق بقيت الأماكن والمؤسسات كما كانت. هذا الاستقرار ليس شيئا حميدا، ونحن بحاجة إلى التغيير بمزيد من الراديكالية، بإقامة المزيد من المعارض وإنتاج المزيد من الأعمال.