ولد سلام عطا صبري في بغداد عام 1953، وفيها نشأ، وتدرب على فن السيراميك. عاش في الولايات المتحدة والأردن لمدة 16 عاما قبل أن يعود إلى بغداد عام 2005، حيث أنتج نحو 300 رسمة بين عامي 2012 و2015 لم يعرضها على أي جمهور. هذه الأعمال شديدة الذاتية تعكس تجربة فنان يكافح لكي يبدع في ظل بنية تحتية متداعية للفنون. ومن المقرر أن تعرض مائة من بين هذه الرسوم على الجمهور للمرة الأولى في جناح الوطني العراقي في الدورة السادسة والخمسين من بينالي فينيسيا. ويمكنك الاستماع إلى مقتطف من المقابلة التي أجرتها رؤيا مع الفنان باللغة العربية.
لماذا أصبحت فنانا؟
أبي، عطا صبري، كان فنانا. وكان البيت يمتلئ بالأدوات الفنية والكتب. أنا هادئ بطبعي، منذ الطفولة. لست متحدثا ماهرا. لذا أعبر عن نفسي بالرسم، والسيراميك، والنحت.
ماذا كان أول عمل فني أعجبت به في طفولتك؟
في طفولتي، لم أكن أدرك أن هناك فنانين غير والدي. كان والدي قريبا جدا مني، وكان يعاملني كصديق. عرفني بفان جوخ وجويا. واصطحبني إلى السينما واشترى لي التسجيلات الموسيقية. أحببت سيناترا وبحيرة البجع. كان أول مدرسة فنية بالنسبة لي.
درست في الولايات المتحدة ثم انتقلت إلى الأردن. كيف رأيت بغداد عند عودتك في 2005؟
كنت قد شاهدت العنف الطائفي على شاشة التلفزيون، لكن عندما عدت إلى شقتي في الطابق الثالث عشر، كانت تجربة سيئة جدا بالنسبة لي ولزوجتي ولابنتينا. كل تلك العمليات العسكرية في الشوارع (…) وكنا نظل في الحمام لأيام بأكملها. لحسن الحظ استطعنا أن نواصل الحياة بعد هذه التجربة. مع ذلك، لا يراودني أي شعور بالندم على عودتي إلى بغداد- إطلاقا. أنا سعيد جدا لأنني أعشق بغداد. منذ طفولتي، وأينما ذهبت، كان يراودني حلم أن بغداد شيء لا أستطيع أن أتركه. لقد تغيرت بغداد لكن بغداد أحلامي- بغداد شبابي التي غادرتها- لا تزال هي نفسها في عقلي.
هل سببت العودة إلى العراق صدمة لابنتيك؟
نعم، لقد ولدتا في العراق لكننا انتقلنا إلى الأردن عندما كانت إحداهما في الثالثة من عمرها والأخرى في الثانية. لا زالتا لا تفهمان لماذا رجعت. وهما تلومانني طوال الوقت. كل زملائي بقوا في أمريكا، أنا الوحيد الذي رجعت.
كفنان، هل تغيرت أعمالك بعد عودتك؟
بدأت أمارس التصوير والرسم أكثر وأكثر. كنت أشعر أنني يجب أن أفعل شيئا من أجل الثقافة، أن أنجز شيئا ما. واستخدمت أقلام رصاص خشبية صغيرة استعرتها من ابنتيّ.
ما هو المكان في بغداد الذي يمثل لك مصدر إلهام أكثر من غيره؟
نهر دجلة. هو الذي جذب الناس إلى هنا. حضارة بين النهرين تشتهر بنهريها دجلة والفرات. أذهب إلى هناك معظم أيام الجمعة. وأعيش قريبا جدا من شارع المتنبي، في سوق الكتب بجوار النهر، والذي أسميه “بيكر ستريت” بغداد (على اسم الشارع الشهير في لندن). بمجرد أن أعبر جسر الشهداء أصل إلى الضفاف. أحمل كراسات رسم وكتب وأظل حتى الظهيرة.
ما هي أقدم ذكرياتك عن النهر؟
كانت أمي تصحبني إلى النهر عصر كل يوم. بغداد في الخمسينيات كانت مختلفة: ناس أقل، الكثير من الحدائق، أشجار نخيل، وسيارات شيفروليه- أنا أعشق الشيفروليه.
ما هي المصادر التي أثرت في عملك “رسائل من بغداد”؟
استقيت الاسم من عالمة الآثار والموظفة البريطانية جيرترود بيل، التي أسست أيضا متحف العراق. لقد فعلت هذه السيدة الكثير من أجل البلد. زوجتي تعمل في المتحف. وكثيرا ما نتكلم عن “مس بيل” والاكتشافات الأثرية القديمة لماكس مالوان، زوج أجاثا كريستي.
كيف تنقل الحياة اليومية في “رسائل من بغداد”؟
إنها شهادة ذاتية، ذكريات خاصة، ووجهة نظري عما يجري في العراق وبغداد. أضمن فيها رموزا وأسماء لأشخاص مهمين ومدنا مهمة: أسماء من التاريخ الحديث للعراق، وفنانون عالميون مثل بول كلي، بل والأساتذة والمدرسين الذين تعلمت على أيديهم في جامعة ولاية كاليفورنيا في لوس أنجليس, لقد علم أبي التصوير والرسم للملك فيصل الثاني بين عامي 1952 و1958. وكان دائما ما يتحدث عن ذلك. هناك الكثير من الرسائل عن الملك، القصر الملكي، والمذبحة. أيام حكم الأسرة المالكة الهاشمية الذي أعتبره العصر الذهبي للعراق.
لمن كانت الرسائل؟
أول من رأى هذه الرسوم وأبدى رأيه فيه كان زوجتي وابنتيّ. لم أكن أعرضها على أحد. واستخدمت اللغة الانجليزية لأنني كنت أشعر أنها سوف تعرض في الغرب. إنها رسالة للغرب عن بغداد.
متى تكتب تلك الرسائل عادة؟
أنا أحمل معي كراسة الرسم أينما ذهبت. ليس هناك وقت محدد. بغداد مليئة بالمفاجآت ولا تمكنك من التخطيط المسبق لأي شيء. إذا شعرت بالغضب، أكتب رسالة. لا أقول أي شيء، فقط أستخدم الحبر على أوراق الرسم. اسمي سلام و معناه السلام . وأفضل أن أكون مسالما.
كيف ترى أهمية الترويج الثقافي في العراق؟
لا يمكن إعادة بناء العراق من دون بناء ثقافة جديدة. علينا أن نحافظ على تراث بغداد، على بيوتها وشوارعها القديمة. تلك الأشياء تمثل تقاليدنا وتاريخنا. ونحن نحتاج إلى الفن لبناء الشخصية العراقية، خاصة بين الشباب. لقد تغير الناس. بعد ثلاثة حروب كبرى، أصبحوا موجوعين، علينا أن نعطي لهم موادا يستطيعون بها التعبير عن أنفسهم، مثلما فعلت مؤسسة رؤيا في مخيمات اللاجئين في 2014. إنهم مستقبل العراق، وهم من سيأخذون بيده.
هل أنت متشوق لبينالي فينيسيا؟
نعم. كنت الرجل الأكثر حزنا في بغداد. الآن أنا الأكثر سعادة، منذ قامت رؤيا بدعم رسائلي.
تعليق الصورة:
سلام عطا صبري، من مجموعة “رسائل من بغداد”، 2012-2015. إهداء من الفنان.