صادق كويش الفراجي، مواليد بغداد سنة 1960، فنان معاصر رائد من فناني الشتات العراقي، يعيش في أمرسفورت بهولندا. درس الرسم والطباعة، كما يعمل في الانيميشن وفن الكتاب. عرض صادق كويش الفراجي أعماله على المستوى الدولي كما ان أعماله ضمن مجموعات شخصية وعامة من بينها المتحف البريطاني، والمتحف العربي للفنون الحديثة، ومتحف مقاطعة لوس آنجلس للفنون، ومتحف هيوستن للفنون الجميلة ومؤسسة برجيل للفنون. تم تكليف صادق كويش الفراجي بإنتاح عمل جديد للمشاركة به في “العتيق” وهو الجناح الوطني العراقي في بينالي فينسيا السابع والخمسين. يتضمن عمله المركب “أنا الصياد … أنا الفريسة” (2017) فيلم انيميشن وسلسلة من الرسومات بالحبروقلم الكرافيت مستلهمة من أبحاث أجراها في الكتب المدرسية القديمة، والأساطير القديمة، والمخطوطات الإسلامية. في حواره مع رؤيا، يتكلم صادق كويش الفراجي عن هذه الرسوم والمصادر المختلفة التي استلهم عمله منها.
صادق كويش الفراجي: تتخذ العلاقة بين الصياد والفريسة شكل العلاقة الجدلية حيث ان ما من صياد دون فريسة، وما من فريسة بدون صياد. في نفس الوقت فإن داخل كل صياد فريسة، وفي كل فريسة صياد. ما من كائن على وجه الأرض إلا ويختبر هذا. وفيلمي الانيميشن يسعى إلى محاكاة هذه الخبرة البشرية في حدود هذا الديالكتيك.
تصوير عملية الصيد ممارسة قديمة، وهي ما تزال مستمرة حتى اليوم. وعملي هنا يتخذ شكل الفهرسة البصرية. والرسوم التي تم اعادة إنتاجها مستلهمة من كتب مدرسية، أساطير قديمة، أدوات اثرية، حكايات خرافية، مخطوطات إسلامية، رسوم تشريحية، صور فلكية، وعلامات البروج والنجوم. وكل منها يحكي لنا شيئا عن الصيد.
لقد اسعدني وشرفني طلب المشاركة في هذا المعرض، والواقع هو أن اشتغل على مفهوم الصيد من منظور العتيق ليس ببعيد عن عملي كفنان. فالفنان بطريقة ما صياد يحاول قنص لحظة معينة، أو فكرة، أو عاطفة. وفي بعض اعمالي حاولت اقتناص ذكريات من عراقي الحبيب، لحظات، صور وأصوات… ولكنني بدلا من ان اطارد العراق اذا به هومن يطاردني ويستولي علي، ذلك العراق العتيق العظيم الذي لم يعرف الراحة قط.
كتاب العصور القديمة، طه باقر، فؤاد صفار، أحمد يعقوب الشمسي1967
حينما بدأت المشروع، رجعت على الفور إلى كتاب مدرسي قديم عن حضاراتنا القديمة، كتبته لجنة من وزارة التعليم العراقية كان يرأسها المؤرخ والأثري طه باقر. طلبت من فرات الجميل من مكتب رؤيا في العراق أن يعثر لي على الكتاب في أحد متاجر الكتب المستعملة في بغداد. كنت قد درست الكتاب في السنة الأولى من المدرسة الإعدادية وأحببته. وشغفي بتمثلات الصيد عبر العصور والحضارات نبع بصورة طبيعية من تلك الفترة.
أنزو ونينورتا
ينتهي فيلم الانيميشن بفقرة من من أسطورة عراقية قديمة عن أنزو ونينورتا تقول “بقلب مليء بالشجاعة، مضى إلى الجبل مضي مقاتل نبيل”. في معركته مع الوحش أنزو العظيم، يسقط الملك نينورتا، ثم تأتيه رسالة من الآلهة فيمتلئ قلبه بالشجاعة، ويسارع إلى الجبال ليلحق الهزيمة بأنزو. يبرز هذا النص وضعنا الإنساني. نحن دائما في حالة قتال، ودائما نسقط على الأرض، ثم ننهض لنستأنف. وهذه هي الحياة.
جلجامش وإنكيدو
في ملحمة جلجامش الأكادية، أنكيدو همجي يعيش في البرية وجلجامش ملك على قدر عظيم من الحضارة. جلجامش يريد أن يصاحب أنكيدو لكنه لا يستطيع أن يستدرجه إلى المدينة. يرسل إليه البغي شمخات، وهي على قدر كبير من الجمال لتغويه. كان جلجماش يعتقد أن ممارسة الحب كفيلة بتهذيب أنكيدو. والحب والغواية من ضروب الصيد.
كنوز المتحف العراقي، د. فرج بصمجي1979
كنوز المتحف العراقي كتاب عظيم وثري. رسمت منه حيوانات، كائنات وأشياء كثيرة. يضم الكتاب مجموعة فاتنة بالفعل. لم أتبع نظاما كرونولوجيا معينا، أو ألتزم بحقب تاريخية، بل سمحت لأشكال وهيئات الصيد ان والصيد تراوغني … أو بالأحرى تصطادني. كنت أنا الفريسة في تلك الحال.
كتاب تحاويل سني العالم، أبو معشر البلخي نحو 848
كان كتاب الفلكي الفارسي أبو معشر (787-886) يقرأ خارج حدود البلاط العباسي في بغداد، وتركت ترجماته أثرا على كثير من الدراسات في أوربا والغرب. المدهش أن أبو معشر يصور علامات الأبراج في مشاهد صيد مختلفة. فهو يصور الجوزاء هنا وهو ينحر شخصا.
كليلة ودمنة، ابن المقفع (نحو 700
تعرف النسخة السنسكريتية الأصلية من كتاب الحكايات هذا بالـ بنجاتنترا Panchatantra. وقد ترجم إلى الفارسية ومنها إلى العربية على يد ابن المقفع. وفي العراق كنا نتعرف على بعض هذه الحكايات منذ الصغر. فيها كل شيء، البشر والحيوانات والحب والجنس والصيد والحرب، وجميع الثيمات التي أتعامل معها في هذا العمل.
كتاب صور الكواكب الثابتة، عبد الرحمن الصوفي نحو 964
كان علماء الفلك من أمثال العالم الفارسي عبد الرحمن الصوفي (903 -986) يطلقون على النجوم أسماء الحيوانات التي نستطيع صيدها واستئناسها. وفي بعض الأحيان كانوا يسمونها بأسماء النساء، مثل العذراء. كان أولئك الرجال يطالعون النجوم وحينما يوثقون ما يخلصون إليه من نتائج، يؤثرون أسماء الكائنات الحية على الأوصاف الهندسية الصارمة. وفي رأيي أن هذه كانت محاولة لرأب الصدع بين أنفسهم والوجود السماوي الذي لا وصول إليه، وتأكيدا لإحساس يسيطر عليهم بأنهم صيادو نجوم.
عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، زكريا القزوني القرن الثالث عشر
كثير مما اشتهر به زكريا القزويني (1203 – 1283) في الفلك ليس إلا خيالا محضا. لكن الصياد والفريسة يظهران هنا أيضا، كيانا موحدا، في هذا الوحش ذي الرأسين.
تشريح بدن الإنسان، لمنصور بن محمد بن أحمد بن يوسف (1390
لعبت الرسوم التشريحية في المخطوطات الإسلامية دورا مهما في بحثي. بدت لي هذه الرسوم والدراسات شديدة الجمال. فالجسد الإنساني هو أداتنا الأولى في الصيد. ولكن هذا الجسد الثمين يحولنا أيضا إلى فرائس.
دليل عالم التشريح: أنظمة التشريح الإنساني، 1859، وليم جيمس إيراسموس ويلسن (1859
أغلب مصادري كانت من العراق، لكن بعضها جاء من المنطقة وايضا من أوربا. في رسم ويلسن، تذكرني خطوط اليد بالرسوم التشريحية التي نراها في المخطوطات الطبية الإسلامية في العصور الوسطى. وقد اخترت اليد لكونها أداة صيد.