فنان يثير الجدل بتحويل كنيسة إلى أول جامع في فينيسيا

تشارلوت هيجنز

لا السلطات المحلية ولا المشروفون على البينالي يريدون هذا المشروع في مدينتهم، هكذا تقول المديرة الفنية التي تريد إعفاء المسلمين من مشقة رحلة تستغرق ساعة كاملة حتى أقرب جامع.

في ركن هادئ من ضاحية كاناريجيو في فينيسيا تنتصب كنيسة جميلة ذات واجهة باروكية بيضاء. يرجع أصلها إلى القرن العاشر، لكن آخر قداس أقيم فيها كان عام 1967، ومن وقتها رفع عنها التكريس وأصبحت ملكية خاصة، وظلت قائمة في هدوء من دون استغلال.

لكن “سانتا ماريا ديلا ميزيريكورديا” ستعود، في التاسع من مايو، ومع افتتاح الدورة السادسة والخمسين من بينالي فينيسيا، لتصبح فضاء عموميا ودينيا من جديد: إذ سيشهد هذا التاريخ إعادة افتتاحها بوصفها جامعا: أول جامع في تاريخ المدينة. والآن، سيصبح بإمكان مسلمي فينيسيا، وزوار المدينة المسلمين، الذهاب إلى صلاة الجمعة سيرا على الأقدام، بدلا من الانطلاق في رحلة تستغرق ساعة كاملة إلى أقرب جامع، الذي يقع في قلب ضاحية فينيتو الصناعية. خلف الأبواب الغراء للكنيسة ستجد الآن جامعا متميزا، بزاوية للوضوء، وسجاد للصلاة، ومحراب يواجه القبلة، وخطوط زخرفية.

الجامع، تم تركيبه في كنيسة “سانتا ماريا ديلا ميزيريكورديا”، الصورة لكريستيان سنيبالدي

الجامع، تم تركيبه في كنيسة “سانتا ماريا ديلا ميزيريكورديا”، الصورة لكريستيان سنيبالدي

هذا الجامع هو الجناح الوطني الرسمي لأيسلندا في البينالي، أما الفنان الذي وقف خلف تحويله فهو كريستوفر بوشيل، الأيسلندي الإقامة، السويسري المولد- الذي شملت مشروعاته الفنية السابقة تحويل أحد الجاليريهات الفاخرة في ميدان البيكاديللي بلندن إلى مركز اجتماعي متكامل.

ويعد هذا المشروع واحدا من أكثر المعارض الوطنية ارتقابا وإثارة للجدل، ويصفه بوشيل بأنه يقوم على الصلات التاريخية بين فينيسيا وبين الشرق. ففي تلك المدينة، على سبيل المثال، ظهرت أول طبعة من القرآن في القرن السادس عشر؛ كما كان “فونداكو دي توركي”، البناية المنيفة المطلة على الـ”جراند كنال”، ذات يوم غيتو للتجار العثمانيين في المدينة.

لم يكن تحويل المشروع إلى واقع بالأمر اليسير، وفقا لبوشيل ومديرته الفنية، نينا ماجنوسدوتير. إذ لم تلق المبادرة، بحد قولهما، دعما لا من السلطات المحلية ولا من البينالي نفسه. ووفقا لماجنوسدوتير: “ليست هناك إرادة سياسية لإقامة هذا المشروع في مدينة فينيسيا التاريخية”. وقد رُفض صراحة التصريح بتثبيت نحت بارز مؤقت على واجهة البناية لكلمتي “الله أكبر”. ومن أجل الالتفاف على القيود الرسمية المتعلقة بالصلاة في الأماكن العامة، سوف يضطر الراغبون في الصلاة في الجامع إلى تسجيل أسمائهم كأعضاء في جمعية. لكن ماجنوسدوتير تصر على أن المشروع ليس مخصصا للمسلمين وحسب، “إنه عمل فني، فأهلا وسهلا بكل من يأتي للزيارة”.

محمد أمين الأحدب، وهو معماري محلي ورئيس الجالية الإسلامية في فينيسيا، أعرب عن سروره بالمشروع، وأكد أن فائدته لا تقتصر على سكان فينيسيا من العمال والطلبة المسلمين، وإنما تمتد ليصبح مكانا للحوار بين الأديان. “لم يكن أحد هنا يتخيل أن يأتي لنا هذا من خارج منطقة البحر المتوسط، من خارج العالم الإسلامي، بل ومن جزيرة صغيرة في الشمال. إنها دعوة لبقية الناس، لبقية الثقافات، لكي تتبادل أفكارا إيجابية”. وأضاف “سيكون حلمنا قد تحقق” إذا استطاع هذا المشروع، حتى ولو جزئيا، الاستمرار طوال فترة البينالي، الذي ينتهي في 22 نوفمبر.

كذلك سوف يتواجد في الجامع طيلة الصيف ابراهيم سفيرير أجنارسون، رئيس جمعية مسلمي أيسلاندا، الذي يقول: “إننا نريد أن نوضح بالأساس أن الجوامع ليست قواعد عسكرية، بل أماكن للسكينة. نريد أن نوضح أننا نستطيع إقامة حوار بين الأديان وأن أي شخص يستطيع أن يأتي إلى هنا ليتكلم معنا في أي وقت”. وكما أشار بوشيل، فإن أيسلندا نفسها تستعد لبناء أول جامع فيها لخدمة سكانها المسلمين البالغ عددهم 1200 نسمة.

Mosque2

سوف يستقبل الجامع آلاف المسلمين المقيمين في فينيسيا إضافة إلى غيرهم من سكان فينيسيا والسواح. الصورة لكريتيان سنيبالدي

بينالي فينيسيا واحد من أبرز الفعاليات في عالم الفن، وبداية من التاسع من مايو، فإن المدينة التي تتكون من شبكة من الأزقة، مدينة تنتوريتو وفيرونيسي، مدينة البهاء القوطي والعظمة البيزنطية، تتحول إلى وجهة للزوار الذين يبحثون عن أحدث المستجدات والتوجهات في عالم الفنون البصرية.

وفي القلب من البينالي نجد العرض المركزي تحت الإشراف الفني لأوكووي إنويزور، مدير متحف “هاوس دير كونست” للفنون بميونخ، ويستند هذا المعرض على قراءات يومية من كتاب “رأس المال” لكارل ماركس- وهو الكتاب الذي “لم يقرأه أحد، لكن الجميع يكرهونه أو يستشهدون بأقوال منه” بحسب كلمات إنويزور. كذلك فإن استضافة المعرض لأعمال عدد كبير من الفنانين ذوي البشرة السوداء أو الأصول الأفريقية- مثل جلين ليجون، وتشارلز جاينز، وكارا ووكر، وكريس أوفيلي، وإيزاك جوليان، وستيف ماكوين، وجون أكومفرا، ووانجيتشي موتو- تجعله يقدم إعلانا واضحا وتصحيحا لما يسميه “التعصب الانفعالي” المميز لعالم الفن.

أما الجزء الثاني من البينالي فيتمثل في العروض التسعة والثمانين التي تقدمها الدول في أجنحتها الخاصة، والتي توفر لمحات عن الفن الذي ينتج في أرجاء العالم- بل وكثيرا ما يستبصر في السياسات والتوترات الدولية كما يعبر عنها الفنانون. فإذا أخذنا الجناح الأرميني لهذا العام مثلا، وجدناه تأملا في مئوية مذابح عام 1915 في تركيا؛ في حين يتضمن العرض العراقي قاعة مليئة برسوم شديدة القسوة والحساسية لرؤوس مقطوعة أبدعها الفنان حيدر جبار، الذي درس في أكاديمية بغداد ويعيش حاليا في المنفى في تركيا.

أما الجناح الألماني فقد أصبح بالفعل حدثا مميزا في عالم الفن، وذلك باستضافته لفيلم هيتو ستيرل المراوغ والماكر، الذي يحمل اسم “مصنع الشمس”، وهو فيلم يتخذ شكل لعبة من ألعاب الكمبيوتر لكي يستكشف مفاهيم الواقعي، والفاضل، والمثالي، والمادي في علاقتها بالعالم الرقمي. واستعرضت اليونان عملية بعث خارقة للطبيعة أجريت لمتجر تحنيط خرب ومتهدم في مدينة فولوس اليونانية، أنجزتها الفنانة ماريا باباديمتريو. أما سيمون ديني، في الجناح النيوزيلاندي، فقد اتخذ من وثائق وكالة الأمن القومي الأمريكية التي سربها إدوارد سنودن مادة له، إذ استعرض اللغة البصرية لوثائق الوكالة، وقدمها في تحليل متعدد الطبقات، وذلك في مكتبة مارشانا في ميدان “سان ماركو”، التي تعود إلى عصر النهضة، وكذا في صالة الوصول بمطار ماركو بولو الخاص بفينيسيا.

mosque3

عمل فني مركب على شكل جبل جليد للفنان الإيطالي الألباني هيليدون تشيتشا، في دورة بينالي فينيسيا لهذا العام. الصورة لأليكس ماجوير/REX Shuuterstock

الكثير من الأجنحة الوطنية- بما في ذلك الجناح البريطاني للفنانة سارة لوكاس- تعرض في الـ”جيارديني بوبليتشي” في المدينة. بينما تتفرق أجنحة أخرى، مثل الجناح الاسكتلندي للفنان جراهام فاجين وجناح ويلز للفنانة هيلين سير، شأنها شأن الجناح الأيسلندي، في أرجاء البنايات والقصور الفاخرة والكنائس غير المستخدمة في المدينة.

في الوقت نفسه، تنظم الجاليريهات ومؤسسات الفن في فينيسيا عددا من المعارض على هامش البينالي. إذ يقدم متحف “بونتا ديلا دوجانا” عرضا بعنوان “زلة لسان”، تحت إشراف المدير الفني دان فو، الذي يمثل أيضا الدنمارك في البينالي: أعمال فنية معاصرة من مقتنيات فرانسوا بينو معروضة بأناقة جنبا إلى جنب مع أعمال “الأساتذة القدامى” مثل “رأس المسيح” لبيلليني، المستعارة من “الأكاديمية”. في الوقت نفسه، تعرض مؤسسة “فوندازيوني بيفيلاكا” 15 لوحة جديدة لبيتر دويج، بينما تقدم مؤسسة “فوندازيوني برادا” معرضا بعنوان “كلاسيكيات منقولة”، يعد بمثابة نظرة إلى ثقافة استنساخ وإعادة إنتاج المنحوتات الكلاسيكية.

تقام الدورة السادسة والخمسين لبينالي فينيسيا في الفترة من 9 مايو وحتى 22 نوفمبر.