“مقهى الشعب” مقهى شهير في السليمانية. افتتح في خمسينيات القرن الماضي، ومن زبائنه المخلصين الشعراء الأكراد المشاهير صلاح بيكاس وابنه شيركو بيكاس وأكهول شايب، وخلال الحرب الأهلية في التسعينيات، كان بمثابة مقر للاتحاد الوطني الكردستاني PUK. على جدران المقهى عُلّقت صفوف تلو صفوف من الصور الفوتوغرافية لأهم الزعماء السياسيين والمثقفين والشعراء والموسيقيين في التاريخ الكردي، وكذلك لفرق المنتخب الوطني لكرة القدم، وتكاد صور النساء أن تنعدم بينها
في رد فعل على هذا، صورت الفنانة الوثائقية المقيمة في السليمانية روزجار مصطفى Rozghar Mustafa، عملي فيديو في مقهى الشعب الشهر الماضي. ويركز كلا العملين على النساء وما يتعرضن له من عنف في العراق. يتحدى معرض مصطفى ـ الذي استمر لأسبوع أثناء ساعات عمل المقهى ـ فضاء خاضعا في العادة لسيطرة الرجال هو فضاء المقاهي. وكان مقهى الشعب قد عرض أول صورتين لشاعرتين كرديتين في سبتمبر 2016 فقط.
يمكن النظر إلى معرض مصطفى بوصفه جزءا من تطور أشمل لمشهد الفن المعاصر في السليمانية. فقبل أسبوع، نظَّم الفنان شيركو عباس، في قاعة معهد الفنون الجميلة، معرضا جماعيا بعنوان “صخب” يركز على أعمال ثمانية فنانين من السليمانية، وكان هدفه من اختيار هذا العنوان تسليط الضوء على تعقيد المشهد المعاصر في العراق. فـ”نحن نصحو كل يوم على الصخب، لكن يبقى من المستحيل علينا أن نعرف ما الذي يحدث فعلا على الأرض. الصخب هو ما يبقى من الكلمات بعد أن تفقد قوتها”.
جعل الفنانون الثمانية المشاركون في المعرض، وبينهم عباس نفسه، من الصوت والضوضاء جزءا مركزيا من عملهم. ففي العمل الأدائي “صوتها” تلعب الفنانة كاني كمال بشعرها كأنه أوتار آلة. وهي بذلك تحيل إلى تراث من استعمال الفنانات شعورهن وأجسامهن ضمن أعمالهن في مسعى إلى استرداد الجسد الأنثوي. في الوقت نفسه، قدم الفنان شيروان فاتح عمله المركب “غبار التعلم”، وفيه علق أجراس المدرسة على سبورة خضراء ، ثم كتب تحتها جدول الحصص بالطباشير. يعتمد هذا العمل على اهتمام الفنان بأنظمة تعليم الأطفال التي تفرض الأعراف الاجتماعية على السلوك. وهو في هذا العمل يستكشف الطقوس المعاصرة المرتبطة بالوقت والحفاظ على الوقت وعلاقتهما ببنى السلطة القائمة.
مدينة السليمانية معروفة بنشاطها الثقافي داخل كردستان العراق. غير أنه على الرغم من وجود العديد من معاهد الفن وقاعاته في المدينة، فإن المجتمع الفني والجمهور لم قتنعا بعد بهذه الممارسات الفنية. ويبقى تدريس الفنون في معهد الفنون الجميلة تقليديا دوغمائيا، مثلما هو الحال، في باقي مناطق العراق، ولا تزال المؤسسات المحلية في السليمانية تناضل من أجل الحفاظ على الفنون والثقافة الكردية التي هدَّدها التحديث السريع في السنوات الأخيرة. غير أن هذين المعرضين الحديثين لمصطفى وعباس يمثلان علامة على تنامي وسط جديد من الفنانين المعاصرين في المدينة. كما أن هؤلاء الفنانين غالبا ما يتحدون عادات راسخة وتراثا متجذرا في العراق.
المصادر:
Tanya Gousoudzian, The Democratic Republic of the People’s Teahouse, Al Jazeera, 25 October 2015.
Tanya Gousoudzian, On the Sidelines of Mosul, the Battle for Kurdish Culture, Al Jazeera English, 21 November 2016.
The Kurdish Culture Project, Female Photo Project at the Oldest Traditional Teahouse in Kurdistan, September 2016.